ومن موالاة أو تفريق، ومن وجوب نية أو عدمها، وما جرى مجرى ذلك.
مطلب اغتساله عليه السلام بالصاع غير موجب اعتباره والسبعون: دلالة قوله: (فاطهروا) على سقوط اعتبار تقدير الماء، إذ كان المراد التطهير، وعلى أن اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم بالصاع غير موجب اعتباره. والواحد والسبعون: أن قوله تعالى: (فامسحوا برؤوسكم) فيه دلالة على أن المراد المسح بالماء، إذ المسح لا يقتضي ماء، فلما قال: (فلم تجدوا ماء) دل على أن المراد مسحه بالماء.
فهذه وجوه دلالات هذه الآية الواحدة على المعاني وضروب الأحكام، منها نصوص ومنها احتمال في الطهارة التي يجب تقديمها أمام الصلاة وشروطها التي تصح بها. وعسى أن يكون كثير من دلائلها وضروب احتمالها مما لم يبلغه علمنا متى بحث عنها واستقصي النظر فيها أدركها من وفق لفهمها، والله الموفق.
باب القيام بالشهادة والعدل قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط) ومعناه:
كونوا قوامين لله بالحق في كل ما يلزمكم القيام به من الأمر بالمعروف والعمل به والنهي عن المنكر واجتنابه، فهذا هو القيام لله بالحق. وقوله: (شهداء بالقسط) يعني بالعدل، قد قيل في الشهادة إنها الشهادات في حقوق الناس، روي ذلك عن الحسن، وهو مثل قوله: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) [النساء: 135]. وقيل: إنه أراد الشهادة على الناس بمعاصيهم، كقوله تعالى: (لتكونوا شهداء على الناس) [البقرة: 143] فكان معناه: أن كونوا من أهل العدالة الذين حكم الله بأن مثلهم يكونون شهداء على الناس يوم القيامة. وقيل: أراد به الشهادة لأمر الله بأنه الحق. وجائز أن تكون هذه المعاني كلها مرادة لاحتمال اللفظ لها.
قوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا) روي أنها نزلت في شأن اليهود حين ذهب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستعينهم في دية، فهموا أن يقتلوه. وقال الحسن:
" نزلت في قريش لما صدوا المسلمين عن المسجد الحرام ". قال أبو بكر: قد ذكر الله تعالى هذا المعنى في هذه السورة في قوله: (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا) فحمله الحسن على معنى الآية الأولى، والأولى أن تكون نزلت في غيرهم وأن لا تكون تكرارا.