أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٨٦
الطافي في سورة البقرة. فأما موضع الذكاة في الحيوان المقدور على ذبحه فهو اللبة وما فوق ذلك إلى اللحيين. وقال أبو حنيفة في الجامع الصغير: " لا بأس بالذبح في الحلق كله أسفل الحلق وأوسطه وأعلاه ". وأما ما يجب قطعه فهو الأوداج، وهي أربعة:
الحلقوم، والمرئ، والعرقان اللذان بينهما الحلقوم والمرئ، فإذا فرى المذكى ذلك أجمع فقد أكمل الذكاة على تمامها وسنتها، فإن قصر عن ذلك ففرى من هذه الأربعة ثلاثة فإن بشر بن الوليد روى عن أبي يوسف أن أبا حنيفة قال: " إذا قطع أكثر الأوداج أكل، وإذا قطع ثلاثة منها أكل من أي جانب كان "، وكذلك قال أبو يوسف ومحمد، ثم قال أبو يوسف بعد ذلك: " لا تأكل حتى تقطع الحلقوم والمرئ وأحد العرقين ". وقال مالك بن أنس والليث: " يحتاج أن يقطع الأوداج والحلقوم وإن ترك شيئا منها لم يجزه " ولم يذكر المرئ. وقال الثوري: " لا بأس إذا قطع الأوداج وإن لم يقطع الحلقوم ".
وقال الشافعي: " أقل ما يجزى من الذكاة قطع الحلقوم والمرئ، وينبغي أن يقطع الودجين وهما العرقان وقد يسلان من البهيمة والإنسان ثم يحييان، فإن لم يقطع العرقان وقطع الحلقوم والمرئ جاز ".
وإنما قلنا إن موضع الذكاة النحر واللبة لما روى أبو قتادة الحراني عن حماد بن سلمة عن أبي العشراء عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذكاة فقال: " في اللبة والحلق، ولو طعنت في فخذها أجزأ عنك "، وإنما يعني بقوله صلى الله عليه وسلم: " لو ظننت في فخذها أجزأ عنك " فيما لا تقدر على مذبحه.
قال أبو بكر: ولم يختلفوا أنه جائز له قطع هذه الأربعة، وهذا يدل على أن قطعها مشروط في الذكاة، ولولا أنه كذلك لما جاز له قطعها، إذ كان فيه زيادة ألم بما ليس هو شرطا في صحة الذكاة، فثبت بذلك أن عليه قطع هذه الأربع. إلا أن أبا حنيفة قال: " إذا قطع الأكثر جاز مع تقصيره عن الواجب فيه، لأنه قد قطع الأكثر والأكثر في مثلها يقوم مقام الكل، كما أن قطع الأكثر من الأذن والذنب بمنزلة قطع الكل في امتناع جوازه عن الأضحية "، وأبو يوسف جعل شرط صحة الذكاة قطع الحلقوم والمرئ وأحد العرقين، ولم يفرق أبو حنيفة بين قطع العرقين وأحد شيئين من الحلقوم والمرئ وبين قطع هذين مع أحد العرقين، إذ كان قطع الجميع مأمورا به في صحة الذكاة. وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا هناد بن السري والحسن بن عيسى مولى ابن المبارك عن ابن المبارك عن معمر عن عمرو بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس، زاد ابن عيسى وأبي هريرة، قالا: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان " زاد ابن عيسى في حديثه:
وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا يفرى الأوداج ثم تترك حتى تموت، وهذا الحديث يدل
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»