ولهذا المعنى كرهوا الذبح بالقرن والعظم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا شعبة عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس قال: خصلتان سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" إن الله كتب الإحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا " - قال غير مسلم -: " فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " فكانت كراهتهم للذبح بسن منزوع أو عظم أو قرن أو نحو ذلك من جهة كلاله لما يلحق البهيمة من الألم الذي لا يحتاج إليه في صحة الذكاة. وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال:
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن مري بن قطري عن عدي بن حاتم أنه قال: قلت يا رسول الله أرأيت أن أحدنا أصاب صيدا وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقة العصا؟ قال: " أمرر الدم بما شئت واذكر اسم الله ".
وفي حديث نافع عن كعب بن مالك عن أبيه: " أن جارية سوداء ذكت شاة بمروة، فذكر ذلك كعب للنبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بأكلها ". وروى سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وفي حديث رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا إلا ما كان من سن أو ظفر ".
فصل وهذا الذي ذكرناه فيما كان من الحيوان مقدورا على ذبحه، فيعتبر في ذكاته ما وصفنا من موضع الذكاة ومن الآلة على النحو الذي بينا. وأما الذي لا نقدر منه على ذبحه، فإن ذكاته إنما تكون بإصابته بما يجرح ويسيل الدم أو بإرسال كلب أو طير فيجرحه دون ما يصدم أو يهشم مما لا حد له يجرحه، ولا يختلف في ذلك عندنا حكم ما يكون أصله ممتنعا مثل الصيد وما ليس بممتنع في الأصل من الأنعام ثم يتوحش ويمتنع أو يتردى في موضع لا نقدر فيه على ذكاته. وقد اختلف الفقهاء في ذلك في موضعين، أحدهما: في الصيد إذا أصيب بما لا يجرحه من الآلة، فقال أصحابنا ومالك والثوري: " إذا أصابه بعرض المعراض لم يؤكل إلا أن يدرك ذكاته ". وقال الثوري: " وإن رميته بحجر أو بندقة كرهته إلا أن تذكيه، ولا فرق عند أصحابنا بين المعراض والحجر والبندقة ". وقال الأوزاعي في صيد المعراض: " يؤكل خزق أو لم يخزق "، قال: " وكان أبو الدرداء وفضالة بن عبيد وعبد الله بن عمر ومكحول لا يرون به بأسا ". وقال