عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر الصبر فيه كقبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله "، قال: وزادني غيره: قال: يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال: " أجر خمسين منكم ". وفي هذه الأخبار دلالة على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهما حالان: حال يمكن فيها تغيير المنكر وإزالته، ففرض على من أمكنه إزالة ذلك بيده أن يزيله، وإزالته باليد تكون على وجوه: منها أن لا يمكنه إزالته إلا بالسيف وأن يأتي على نفس فاعل المنكر فعليه أن يفعل ذلك، كمن رأى رجلا قصده أو قصد غيره بقتله أو بأخذ ماله أو قصد الزنا بامرأة أو نحو ذلك وعلم أنه لا ينتهي إن أنكره بالقول أو قاتله بما دون السلاح فعليه أن يقتله، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكرا فليغيره بيده "، فإذا لم يمكنه تغييره بيده إلا بقتل المقيم على هذا المنكر فعليه أن يقتله فرضا عليه، وإن غلب في ظنه أنه إن أنكره بيده ودفعه عنه بغير سلاح انتهى عنه لم يجز له الإقدام على قتله، وإن غلب في ظنه أنه إن أنكره بالدفع بيده أو بالقول امتنع عليه ولم يمكنه بعد ذلك دفعه عنه ولم يمكنه إزالة هذا المنكر إلا بأن يقدم عليه بالقتل من غير إنذار منه له فعليه أن يقتله.
مطلب: فيمن غصب متاع رجل يسعه قتله حتى يستنقذ المتاع منه وقد ذكر ابن رستم عن محمد في رجل غصب متاع رجل: " وسعك قتله حتى تستنقذ المتاع وترده إلى صاحبه "، وكذلك قال أبو حنيفة في السارق إذا أخذ المتاع:
" وسعك أن تتبعه حتى تقتله إن لم يرد المتاع ". قال محمد: وقال أبو حنيفة في اللص الذي ينقب البيوت: " يسعك قتله "، وقال في رجل يريد قلع سنك، قال: " فلك أن تقتله إذا كنت في موضع لا يعينك الناس عليه " وهذا الذي ذكرناه يدل عليه قوله تعالى:
(فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) [الحجرات: 9]، فأمر بقتالهم ولم يرفعه عنهم إلا بعد الفئ إلى أمر الله تعالى وترك ما هم عليه من البغي والمنكر. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده " يوجب ذلك أيضا، لأنه قد أمر بتغييره بيده على أي وجه أمكن ذلك، فإذا لم يمكنه تغييره إلا بالقتل فعليه قتله حتى يزيله. وكذلك قلنا في أصحاب الضرائب والمكوس التي يأخذونها من أمتعة الناس: إن دماءهم مباحة وواجب على المسلمين قتلهم، ولكل واحد من الناس أن يقتل من قدر عليه منهم من غير إنذار منه له ولا التقدم إليهم بالقول، لأنه معلوم من حالهم أنهم غير قابلين إذا كانوا مقدمين على ذلك مع العلم بحظره، ومتى أنذرهم من يريد الانكار عليهم امتنعوا منه