وقت العصر "، فغير جائز لأحد أن يجعل وقت العصر وقتا للظهر مع إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن آخر وقت الظهر حين يدخل وقت العصر. وقد نقل الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأوقات عملا وقولا، كما نقلوا وقت الفجر ووقت العشاء والمغرب، وعقلوا بتوقيفه صلى الله عليه وسلم أن كل صلاة منها مخصوصة بوقت غير وقت الأخرى. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة:
" التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الأخرى "، ولا خلاف أن تارك الظهر لغير عذر حتى يدخل وقت العصر مفرط، فثبت أن للظهر وقتا مخصوصا، وكذلك العصر، وإن وقت كل واحدة منهما غير وقت الأخرى، ولو كان الوقتان جميعا وقتا للصلاتين لجاز أن يصلي العصر في وقت الظهر من غير عذر ولما كان للجمع بعرفة خصوصية، وفي امتناع جواز ذلك لغير عذر عند الجميع دلالة على أن كل واحدة من الصلاتين منفردة بوقتها.
فإن احتجوا بقوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) [الاسراء:
78] وأن الدلوك هو الزوال، وجعل ذلك كله وقتا للظهر إلى غروب الشمس، لأنه روي في غسق الليل عن جماعة من السلف أنه الغروب. قيل له: ظاهره يقتضي إباحة فعل هذه الصلاة من وقت الزوال إلى غسق الليل، وقد اتفق الجميع على أن ذلك ليس بمراد وأنه غير مخير في فعل الظهر من وقت الزوال إلى الليل، فثبت أن المراد صلاة أخرى يفعلها وهي إما العصر وإما المغرب، والمغرب أشبه بمعنى الآية لاتصال وقتها بغسق الليل الذي هو اجتماع الظلمة، فيكون تقدير الآية: أقم الصلاة لزوال الشمس، وأقمها أيضا إلى غسق الليل، وهي صلاة أخرى غير الأولى، فلا دلالة في الآية على أن وقت الظهر إلى غروب الشمس. وقد وافق الشافعي مالكا في هذا المعنى أيضا من وجه، وذلك أنه يقول: " من أسلم قبل غروب الشمس لزمته الظهر والعصر جميعا، وكذلك الحائض إذا طهرت والصبي إذا بلغ "، وذهب إلى أنه وإن لم يكن وقت اختيار فهو وقت الضرورة والعذر، لأنه يجوز على أصله الجمع بين الصلاتين في السفر والمرض ونحوه بأن يؤخر الظهر إلى وقت العصر أو يجعل العصر فيصليها في وقت الظهر معها، فجعل من أجل ذلك الوقت وقتا لهما في حال العذر والضرورة. فإن كان هذا اعتبارا صحيحا فإنه يلزمه أن يقول في المرأة إذا حاضت في أول وقت الظهر أن تلزمها صلاة الظهر والعصر جميعا، كما أنها إذا طهرت في آخر وقت العصر لزمتها صلاة الظهر والعصر جميعا، وقد أدركت هذه التي حاضت في وقت الظهر من الوقت ما يجوز لها فيه الجمع بين الصلاتين للعذر، وهذا لا يقوله أحد، فثبت بذلك أن وقت العصر غير وقت الظهر في سائر الأحوال وأنه لا تلزم أحدا صلاة الظهر بإدراكه وقت العصر دون وقت الظهر.