أبو الحسن الكرخي يأبى هذا التأويل ويقول: لا يصح شرط الضمان لأهل الحرب فيما ليس بمضمون، ألا ترى أنا لو شرطنا لهم ضمان الودائع والمضاربات ونحوها لم يصح؟.
واحتج من قال بضمان العارية بما رواه شعبة وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " على اليد ما أخذت حتى تؤديه ". ولا دلالة في هذا الحديث أيضا على موضع الخلاف، لأنه إنما أوجب رد المأخوذ بعينه وليس فيه ذكر ضمان القيمة عند هلاكه، ونحن نقول إن عليه رد العارية، فهذا لا خلاف فيه ولا تعلق له أيضا بموضع الخلاف، والله تعالى أعلم بالصواب.
باب ما أمر الله تعالى به من الحكم بالعدل قال الله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، وقال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) [النحل: 90]، وقال تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) [الأنعام: 152]. وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا عبد الله بن موسى بن أبي عثمان قال: حدثنا عبيد بن حباب الحلي قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله قال: قال ثابت الأعرج: أخبرني أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزال هذه الأمة بخير ما إذا قالت صدقت وإذا حكمت عدلت وإذا استرحمت رحمت ". وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا عبد الرحمن المقري عن كهمس بن الحسن عن عبد الله الأسلمي قال: شتم رجل ابن عباس، فقال له ابن عباس: " إنك لتشتمني وفي ثلاث خصال: إني لآتي على الآية من كتاب الله تعالى فلوددت بالله أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به ولعلي لا أقاضي إليه أبدا، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح به ومالي من سائمة ". وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال:
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن قال: " إن الله أخذ على الحكام ثلاثا: أن لا يتبعوا الهوى، وأن يخشوه ولا يخشوا الناس، وأن لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا " ثم قرأ: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى) [ص: 26] الآية، وقال الله تعالى: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا) إلى قوله تعالى: (فلا تخشوا الناس واخشوني ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) [المائدة:
44].