معدان معه حين خرج. فلما خلفا الكوفة بظهر، قال له سفيان: " يا معدان، ما تركت ورائي من أثق به. ولا أقدم أمامي على من أثق به "، يعنى الثقة في الدين (1).
وروده مكة ولعله ذهب من الكوفة إلى مكة لأداء فريضة الحج. فلما صار إليها، اجتمع هو والأوزاعي في دار مفضل بن مهلهل. قال المفضل، وكان على الموسم عبد الصمد بن علي الهاشمي. فدق الباب. قلنا: " من هذا "؟ قال:
" الأمير ". فقام الثوري، فدخل المخرج. وقام الأوزاعي، فتلقاه. فقال له عبد الصمد بن علي: " من أنت؟ أيها الشيخ "! قال: " أنا أبو عمرو الأوزاعي " قال: " حياك الله بالسلام! أما أن كتبك كانت تأتينا، فكنا نقضي حوائجك؟ ما فعل سفيان الثوري "؟ قال، قلت: " دخل المخرج ". فدخل الأوزاعي في أثره، فقال: " إن هذا الرجل ما قصد إلا قصدك ". فخرج سفيان مقطبا، فقال: " سلام عليكم، كيف أنتم "؟ فقال له عبد الصمد بن علي: " يا أبا عبد الله، أتيتك أكتب هذه المناسك عنك " قال له سفيان: " ألا أدلك على ما هو أنفع لك "؟ قال: " وما هو "؟ قال: " تدع ما أنت فيه ". قال: " كيف أصنع بأمير المؤمنين أبى جعفر "؟ قال: " إن أردت الله، كفاك الله أبا جعفر ".
فقال له الأوزاعي: " يا أبا عبد الله، ان هؤلاء قريش. وليس يرضون منا إلا بالإعظام لهم ". فقال: يا أبا عمرو، إنا ليس نقدر نضربهم. فإنما نؤدبهم بمثل هذا الذي ترى " قال المفضل، فالتفت إلى الأوزاعي، فقال لي: " قم بنا من ههنا، فإني لا آمن أن يبعث هذا من يضع في رقابنا حبالا، وأرى هذا لا يبالي " (2).