خلافا للشرع المبين. ولذا أبى، رحمه الله، أن يقبل مائتي دينار بعث بها محمد بن إبراهيم الهاشمي، الذي كان واليا على مكة. فقال ابن عيينة، وكان حاضرا في مجلسه " كأنك لا تراها حلالا "؟ قال: " بلى، ولكن أكره أن أذل " (1) وقد عرض عليه قضاء الكوفة، فلم يقبله أيضا، لأنه كان لا يحب أن يعين الحكومة التي بنيت على القهر والجبر. وكذا كان لا يود أن يجعل نفسه عرضة لوعيد (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) لان حرية الفكر والعمل لم تبق في ذلك العهد، وكان العمال يحكمون بما أشار به السلاطين.
ولأجل هذا الزهد قد صار جريئا على القول بالحق، واشتهر بين الناس بالقول بالحق (2).
خروج الثوري من الكوفة ولما استخلف أبو جعفر المنصور وحج، لقيه الثوري بمنى " وكان ذلك في سنة 140 أو 144) قال: فقلت: اتق الله. فإنما أنزلت هذه المنزلة وصرت في هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبنائهم يموتون جوعا. حج عمر بن الخطاب، فما أنفق الا خمسة عشر دينارا. وكان ينزل تحت الشجر " فقال:
" فإنما تريد أن أكون مثلك "؟ قلت: " لا تكن مثلي. ولكن كن دون ما أنت فيه، وفوق ما أنا فيه ". فقال لي: " أخرج " (3). فخرج الثوري من عنده.
ولما رجع إلى الكوفة، جعل يأخذ عليه ما يفعل بالمسلمين من الجور والجبر والقهر.
فصبر عليه أبو جعفر مدة، وبالآخرة أمر بأخذه. فخرج من الكوفة هاربا للنصف من ذي القعدة سنة 155 ه (761 م) (4)، ولم يرجع إليها حتى مات. وكان