بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المصحح نحمده، ونستعينه، ونصلي على رسوله الكريم، وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.
وبعد فإن أمر الوحي العزيز قد بدأ بنزول آيات تدل على أن العلم والكتابة من نعم الله جل وعز ذكره، لان أول ما تلا النبي، صلى الله عليه وسلم، من القرآن المقدس، ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم﴾ (1).
وقد سعى النبي، صلى الله عليه وسلم، مدى حياته الطيبة في ا لكشف عن هذا السر لتلاميذه السعداء، وأوضح لهم جلالة العلم ومزية الكتابة - فكان في أقل من قرن أن الأمة العربية التي كانت معظمها أمية حين بعث فيها الرسول، قد تزينت بحلي العلم وتحلت بجواهر الحكمة، ولم يتيسر لها هذا الا ببركة خدمتها الكتاب المقدس، الذي قد تكفل للانسان بالنجاة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة. ومع هذا كان ذلك الكتاب موافقا للسليقة الأدبية التي قد حثت العرب على أن يلقبوا غيرهم بالعجم، فصرفوا وجوههم في حفظه وكتابته والتفكر في معانيه والعمل بأوامره والاجتناب عن نواهيه، وتركوا كل ما كان تفخر به العرب من القصائد والاشعار وردوها على الشياطين الذين كانوا يلقونها على قائليها من الجاهلية الأولى.
وكان ذلك الكتاب حاويا لأسرار الصفات الإلهية الغامضة، وجامعا لقوانين