الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٣٤٥
يعتقده البعض فإن التقية (في مكانها المناسب) ليست علامة للضعف، ولا هي مؤشر للخوف من تسلط الأعداء، ولا هي تسليم لهم، بقدر ما هي نوع من المراوغة المحسوبة لحفظ الطاقات الإنسانية وعدم التفريط بالأفراد المؤمنين مقابل موضوعات صغيرة وقليلة الأهمية.
ومما تعارف عليه عند كل الشعوب أن تلجأ الأقليات المجاهدة والمحاربة إلى أسلوب العمل السري غالبا، وذلك لحفظ حياة الأفراد وتهيئة الظروف لإكثارهم، فتشكل مجموعات سرية وتضع لأنفسها برامجا غير معلنة على غيرهم، حتى أن البعض من أفرادهم يحاول أن يتنكر حتى في زيه، وإذا ما تم اعتقالهم من قبل السلطة المعادية لمبادئهم فيحاولون جهد الإمكان إخفاء حقيقة أمرهم كي لا تخسر المجموعة كل طاقاتها، ولتكون قادرة على مواصلة الطريق بالبقية المتبقية منهم.
والعقل لا يجيز في ظروف كهذه أن تعلن المجموعة المجاهدة قليلة العدد عن نفسها، لكي لا يعرفها العدو بسهولة وهو القادر على القضاء عليها بما يملك من بطش وتسلط.
فالتقية قبل أن تكون برنامجا إسلاميا هي أسلوب عقلاني ومنطقي، ينفذه ويعمل به من يعيش صراعا مع عدو قوي متمكن منه.
ولذا فقد ورد تعبير (الترس) عن التقية في الأحاديث الشريفة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: " التقية ترس المؤمن، والتقية حرز المؤمن " (1).
(لاحظوا أن التقية هنا شبهت بالترس، والترس إنما يستعمل في ميادين الحرب والقتال مع الأعداء لحفظ القوى الثائرة).
وإذا رأينا أن الأحاديث الشريفة تعتبر التقية علامة للدين والإيمان وتقدرها

1 - وسائل الشيعة، ج 11، الحديث (6) من الباب (24) من أبواب الأمر بالمعروف.
(٣٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 ... » »»