وأما الآية الثامنة: (فورب السماء والأرض انه لحق مثل ما أنكم تنطقون). (1) فالضمير في قوله: إنه يعود إلى الرزق والوعد الواردين في الآية المتقدمة ، قال سبحانه: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) والمراد من الوعد هو الجنة.
ثم أشار (انه لحق مثل ما أنكم تنطقون) وكما أن العلم بهذا الامر - أي النطق - أمر ملموس لا شبهة فيه، فهكذا الرزق والوعد من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس.
حكى الزمخشري عن الأصمعي قال: أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود له، فقال: ممن الرجل؟ قلت: من بني أصمع، قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن، فقال: أتل علي فتلوت والذاريات فلما بلغت قوله: (وفي السماء رزقكم) قال: حسبك، فقام إلى ناقته، فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى، فلما حججت مع الرشيد، طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلم علي واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية، صاح وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت: (فورب السماء والأرض انه لحق) فصاح، وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى ألجؤوه إلى اليمين، قالها ثلاثا، وخرجت معها نفسه. (2) إلى هنا تم تفسير الآيات التي أقسم فيها سبحانه بربوبيته، وإليك الكلام في المقسم به، والمقسم عليه.