التسليم القلبي، ولذلك ترى أن أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) يصف الاسلام بالنحو التالي، ويقول: لأنسبن الاسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي: الاسلام هو التسليم. (1) وتشير الآية الثانية إلى أنه سبحانه قادر على أن يهلك المشركين ويأتي بقوم آخرين (خيرا منهم)، من دون أن يكون مغلوبا، قال: (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون * على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين).
فجواب القسم قوله (إنا لقادرون) وقوله (وما نحن بمسبوقين) عطف على جواب القسم، والمراد بالسبق الغلبة، أي وما نحن بمغلوبين ويمكن أن يكون السبق بمعناه والمراد: وما نحن بمسبوقين بفوت عقابنا إياهم فإنهم لو سبقوا عقابنا لسبقونا.
والتعبير بالمشارق والمغارب لأجل أن للشمس في كل يوم من أيام السنة الشمسية مشرقا ومغربا لا تعود إليهما إلى مثل اليوم من السنة القابلة، كما أنه من المحتمل أن يكون المراد بها مشارق جميع النجوم ومغاربها.
ومن عجيب الامر أن في الآية على قصرها وجوها من الالتفات.
ففي قوله: (فلا أقسم) التفات من التكلم مع الغير الوارد في قوله: (إنا خلقناكم) إلى التكلم وحده، والوجه فيه تأكيد القسم باسناده إلى الله نفسه.
وفي قوله: (برب المشارق والمغارب) التفات من التكلم وحده إلى الغيبة، والوجه فيه الإشارة إلى صفة من صفاته تعالى هي المبدأ في خلق الناس جيلا بعد جيل، وهي ربوبيته للمشارق والمغارب، فان الشروق بعد الشروق، والغروب بعد الغروب، يلازم مرور الزمان الذي له مدخلية تامة في تكون الانسان