تفسير شبر - السيد عبد الله شبر - الصفحة ٤٢
فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين * (16) * * (16) * مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمت لا يبصرون * (17) * صم بكم عمى فهم لا يرجعون * (18) * أو كصيب من السماء فيه ظلمت ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * (19) * يكاد البرق يخطف أبصرهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصرهم إن الله على كل شئ قدير * (20) * يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * (21) * الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون * (22) * وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * (23) * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة في التعدي عن حدهم (يعمهون) يتحيرون والعمة عمى القلب (أولئك الذين اشتروا الضلالة) التي اختاروها (بالهدى) الذي فطروا عليه (فما ربحت تجارتهم) ما ربحوا في تجارتهم (وما كانوا مهتدين) إلى الحق والصواب إذ أضاعوا رأس مالهم باستبدالهم الضلالة ولا ربح لمن ضيع رأس المال (مثلهم) حالهم العجيبة (كمثل الذي استوقد نارا) ليبصر بها ما حوله (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم) بإرسال ريح أو مطر أطفأها وذلك لأنهم أبصروا بظاهر الإيمان الحق وأعطوا أحكام المسلمين فلما أضاء إيمانهم الظاهر ما حولهم أماتهم الله وصاروا في ظلمات عذاب الآخرة (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) بأن منعهم المعاونة واللطف وخلى بينهم وبين اختيارهم وإسناد الإذهاب إليه تعالى لأنه المسبب للإطفاء وعدي بالباء لإفادتها الاستصحاب وعدل عن الضوء الموافق لأضاءت إلى النور للمبالغة إذ لو قيل ذهب بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نورا (صم بكم عمي) يعني في الآخرة وفي الدنيا عما يتعلق بالآخرة (فهم لا يرجعون) عن الضلالة إلى الهدى (أو كصيب) أو مثل ما خوطبوا به من الحق والهدى كمثل مطر إذ به حياة القلوب كما أن بالمطر حياة الأرض (من السماء) من العلاء (فيه ظلمات) مثل الشبهات والمصيبات المتعلقة به (ورعد) مثل للتخويف والوعيد (وبرق) مثل الآيات الباهرة (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) لئلا يخلع الرعد أفئدتهم أو ينزل البرق بالصاعقة فيموتوا والمنافقون كانوا يخافون أن يعثر النبي على كفرهم ونفاقهم فيستأصلهم فإذا سمعوا منه لعنا أو وعيدا لمن نكث البيعة جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا فتتغير ألوانهم فيعرف المؤمنون إنهم المعنيون بذلك (والله محيط بالكافرين) مقتدر عليهم لا يفوتونه (يكاد البرق يخطف أبصارهم) يذهب بها هذا مثل قوم ابتلوا ببرق فنظروا إلى نفس البرق لم يغضوا عنه أبصارهم لتسلم من تلألؤه ولم ينظروا إلى الطريق الذي يريدون أن يتخلصوا فيه بضوء البرق فهؤلاء المنافقون يكاد ما في القرآن من الآيات المحكمة التي يشاهدونها ثم ينكرونها يبطل عليهم كلما يعرفونه (كلما أضاء لهم مشوا فيه (1)) في مطرح ضوئه (وإذا أظلم عليهم قاموا) وقفوا وتحيروا فهؤلاء المنافقون إذا رأوا ما يحبون في دنياهم فرحوا بإظهار طاعتهم وإذا رأوا ما يكرهون فيها وقفوا (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) حتى لا يتهيأ لهم الاحتراز من أن يقف على كفرهم (إن الله على كل شئ قدير) لا يعجزه شئ وقيل التمثيل إما مركب تشبيه (2) لحال المنافقين من الشدة والدهشة بحال من أخذه المطر في ليل مظلم مع رعد عاصف وبرق خاطف وخوف من الصواعق أو مفرق تشبيه (2) لذواتهم بذوي الصيب وإيمانهم المشوب بالكفر بصيب فيه ظلمات ورعد وبرق فإنه وإن كان رحمة في نفسه لكنه عاد نقمة في هذه الصورة ونفاقهم حذرا مما يطرق به غيرهم
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»