تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٥١
به الإزاغة عن الايمان يخرج الكلام عن الفائدة لأنهم إذا زاغوا عن الايمان فقد صاروا كفارا فلا معنى لقوله: أزاغهم الله عن الايمان.
وجه الفساد أن قوله: " لا يجوز له تعالى أن يزيغ أحدا عن الايمان " ممنوع بإطلاقه فإن الملاك فيه لزوم الظلم وإنما يلزم فيما كان من الإزاغة والاضلال ابتدائيا وأما ما كان على سبيل المجازاة وحقيقته إمساك الرحمة وقطع الهداية لتسبيب العبد لذلك بفسقه وإعراضه عن الرحمة والهداية فلا دليل على منعه لا عقلا ولا نقلا.
وأما قوله: " إن الكلام يخرج بذلك عن الفائدة " فيدفعه أن الذي ينسب من الزيغ إلى العبد ويحصل معه الكفر تحقق ما له بالفسق والذي ينسب إليه تعالى تثبيت الزيغ في قلب العبد والطبع عليه به فزيغ العبد عن الايمان بسبب فسقه وحصول الكفر بذلك لا يغني عن تثبيت الله الزيغ والكفر في قلبه على سبيل المجازاة.
قوله تعالى: " وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " تقدم في صدر الكلام أن هذه الآية والتي قبلها والآيات الثلاث بعدها مسوقة لتسجيل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رسول معلوم الرسالة عند المؤمنين أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون من أهل الكتاب، وما جاء به من الدين نور ساطع من عند الله يريد المشركون ليطفؤه بأفواههم والله متم نوره ولو كره المشركون.
فعلى المؤمنين أن لا يؤذوه صلى الله عليه وآله وسلم وهم يعلمون أنه رسول الله إليهم، وأن ينصروه ويجاهدوا في سبيل ربهم لاحياء دينه ونشر كلمته.
ومن ذلك يعلم أن قوله: " وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل " الخ، كالتوطئة لما سيذكر من كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم رسولا مبشرا به من قبل أرسله الله بالهدى ودين الحق ودينه نوره تعالى يهتدي به الناس.
والذي حكاه تعالى عن عيسى بن مريم عليهما السلام أعني قوله: " يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " ملخص دعوته وقد آذن بأصل دعوته بقوله: " إني رسول الله إليكم " فأشار إلى أنه لا شأن له إلا أنه حامل رسالة من الله إليهم، ثم بين متن ما أرسل إليهم لأجل تبليغه في رسالته بقوله: " مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول " الخ.
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»
الفهرست