تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٤٩
الوعد ونقض العهد وهو كذلك لكونه من آثار مخالفة الظاهر للباطن وهو النفاق لكن سياق الآيات وفيها قوله: " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا " وما سيأتي من قوله:
" يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة " الخ، وغير ذلك يفيد أن متعلق التوبيخ كان هو تخلف بعضهم عما وعده من الثبات في القتال وعدم الانهزام والفرار أو تثاقلهم أو تخلفهم عن الخروج أو عدم الانفاق في تجهز أنفسهم أو تجهيز غيرهم.
قوله تعالى: " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " المقت البغض الشديد، والآية في مقام التعليل لمضمون الآية السابقة فهو تعالى يبغض من الانسان أن يقول ما لا يفعله لأنه من النفاق، وأن يقول الانسان ما لا يفعله غير أن لا يفعل ما يقوله فالأول من النفاق والثاني من ضعف الإرادة ووهن العزم وهو رذيلة منافية لسعادة النفس الانسانية فإن الله بنى سعادة النفس الانسانية على فعل الخير واكتساب الحسنة من طريق الاختيار ومفتاحه العزم والإرادة، ولا تأثير إلا للراسخ من العزم والإرادة، وتخلف الفعل عن القول معلول وهن العزم وضعف الإرادة ولا يرجى للانسان مع ذلك خير ولا سعادة.
قوله تعالى: " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " الصف جعل الأشياء على خط مستو كالناس والأشجار. كذا قاله الراغب، وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل ولذا لم يجمع، وهو حال من ضمير الفاعل في " يقاتلون "، والمعنى: يقاتلون في سبيله حال كونهم صافين.
والبنيان هو البناء، والمرصوص من الرصاص، والمراد به ما أحكم من البناء بالرصاص فيقاوم ما يصادمه من أسباب الانهدام.
والآية تعلل خصوص المورد - وهو أن يعدوا الثبات في القتال ثم ينهزموا - بالالتزام كما أن الآية السابقة تعلل التوبيخ على مطلق أن يقولوا ما لا يفعلون، وذلك أن الله سبحانه إذا أحب الذين يقاتلون فيلزمون مكانهم ولا يزولون كان لازمه أن يبغض الذين يعدون أن يثبتوا ثم ينهزمون إذا حضروا معركة القتال.
قوله تعالى: " وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم " الخ في الآية إشارة إلى إيذاء بني إسرائيل رسولهم موسى عليه السلام ولجاجهم حتى آل إلى إزاغة الله قلوبهم. وفي ذلك نهي التزامي للمؤمنين عن أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيؤل أمرهم إلى ما آل إليه أمر قوم موسى من إزاغة القلوب وقد قال تعالى: " إن الذين
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»
الفهرست