وقوله: " بأسهم بينهم شديد " أي هم فيما بينهم شديدوا البطش غير أنهم إذا برزوا لحربكم وشاهدوكم يجبنون بما ألقى الله في قلوبهم من الرعب.
وقوله: " تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى " أي تظن أنهم مجتمعون في ألفة واتحاد والحال أن قلوبهم متفرقة غير متحدة وذلك أقوى عامل في الخزي والخذلان. ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ولو عقلوا لا تحدوا ووحدوا الكلمة.
قوله تعالى: " كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم " الوبال العاقبة السيئة وقوله: " قريبا " قائم مقام الظروف منصوب على الظرفية أي في زمان قريب.
وقوله: كمثل " الخ، خبر مبتدأ محذوف والتقدير " مثلهم كمثل " الخ، والمعنى:
مثلهم أي مثل بني النضير من اليهود في نقضهم العهد ووعد المنافقين لهم بالنصر كذبا ثم الجلاء مثل الذين من قبلهم في زمان قريب وهم بنو قينقاع رهط آخر من يهود المدينة نقضوا العهد بعد غزوة بدر فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أذرعات وقد كان وعدهم المنافقون أن يكلموا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم ويمنعوه من إجلائهم فغدروا بهم فذاق بنو قينقاع وبال أمرهم ولهم في الآخرة عذاب أليم وقيل: المراد بالذين من قبلهم كفار مكة يوم بدر وما تقدم أنسب للسياق.
والمثل على أي حال مثل لبني النضير لا للمنافقين على ما يعطيه السياق.
قوله تعالى: " كمثل الشيطان إذ قال للانسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك " الخ، ظاهر السياق أنه مثل للمنافقين في غرورهم بني النضير بوعد النصر ثم خذلانهم عند الحاجة.
وظاهر سياق يفيد أن المراد بالشيطان والانسان الجنس والإشارة إلى غرور الشيطان للانسان بدعوته إلى الكفر بتزيين أمتعة الحياة له وتسويل الاعراض عن الحق بمواعيده الكاذبة والأماني السرابية حتى إذا طلعت له طلائع الآخرة وعاين أن ما اغتر به من أماني الحياة الدنيا لم يكن إلا سرابا يغره وخيالا يلعب به تبرأ منه الشيطان ولم يف بما وعده وقال: إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين.
وبالجملة مثل المنافقين في دعوتهم بني النضير إلى مخالفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووعدهم النصر ثم الغدر بهم وخلف الوعد كمثل هذا الشيطان في دعوه الانسان إلى الكفر بمواعيده الكاذبة