تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٥٤
وقوله: " وكلا وعد الله الحسنى " أي وعد الله المثوبة الحسنى كل من أنفق وقاتل قبل الفتح أو أنفق وقاتل بعده وإن كانت الطائفة الأولى أعظم درجة من الثانية، وفيه تطييب لقلوب المتأخرين إنفاقا وقتالا أن لهم نيلا من رحمته وليسوا بمحرومين مطلقا فلا موجب لان ييأسوا منها وإن تأخروا.
وقوله: " والله بما تعملون خبير " تذييل متعلق بجميع ما تقدم ففيه تشديد للتوبيخ وتقرير وتثبيت لقوله: " لا يستوي منكم " الخ، ولقوله: " وكلا وعد الله الحسنى " ويمكن أن يتعلق بالجملة الأخيرة لكن تعلقه بالجميع أعم وأشمل.
قوله تعالى: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم " قال الراغب: وسمي ما يدفع إلى الانسان من المال بشرط رد بدله قرضا. انتهى، وقال في المجمع: وأصله القطع فهو قطعه عن مالكه بإذنه على ضمان رد مثله. قال: والمضاعفة الزيادة على المقدار مثله أو أمثاله. انتهى، وقال الراغب: الاجر والأجرة ما يعود من ثواب العمل دنيويا كان أو أخرويا قال: " ولا يقال إلا في النفع دون الضر بخلاف الجزاء فإنه يقال في النفع والضر. انتهى ملخصا.
وما يعطيه تعالى من الثواب على عمل العبد تفضل منه من غير استحقاق من العبد فإن العبد وما يأتيه من عمل ملك طلق له سبحانه ملكا لا يقبل النقل والانتقال غير أنه اعتبر اعتبارا تشريعيا العبد مالكا وملكه عمله، وهو المالك لما ملكه وهو تفضل آخر ثم اختار ما أحبه من عمله فوعده ثوابا على عمله وسماه أجرا وجزاء وهو تفضل آخر، ولا ينتفع به في الدنيا والآخرة إلا العبد قال تعالى: " للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم " آل عمران: 172، وقال: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون " حم السجدة: 8، وقال بعد وصف الجنة ونعيمها: " إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا " الانسان: 22، وما وعده من الشكر وعدم المن عند إيتاء الثواب تمام التفضل.
وفي الآية حث بليغ على ما ندب إليه من الانفاق في سبيل الله حيث استفهم عن الذي ينفق منهم في سبيل الله ومثل إنفاقه بأنه قرض يقرضه الله سبحانه وعليه أن يرده ثم قطع أنه لا يرد مثله إليه بل يضاعفه ولم يكتف بذلك بل أضاف إليه أجرا كريما في الآخرة والاجر الكريم هو المرضي في نوعه والاجر الأخروي كذلك لأنه غاية ما يتصور
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»
الفهرست