(بيان) أمر مؤكد بالانفاق في سبيل الله وخاصة الجهاد على ما يؤيده قوله: " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل " الآية، ويتأيد بذلك ما قيل: إن قوله: " آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا " الخ، نزل في غزوة تبوك.
قوله تعالى: " آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " الخ، المستفاد من سياق الآيات أن الخطاب في الآية للمؤمنين بالله ورسوله لا للكفار ولا للمؤمنين والكفار جميعا كما قيل، وأمر الذين تلبسوا بالايمان بالله ورسوله بالايمان معناه الامر بتحقيق الايمان بترتيب آثاره عليه إذ لو كانت صفة من الصفات كالسخاء والعفة والشجاعة ثابتة في نفس الانسان حق ثبوتها لم يتخلف عنها أثرها الخاص ومن آثار الايمان بالله ورسوله الطاعة فيما أمر الله ورسوله به.
ومن هنا يظهر أولا: أن أمر المؤمن بالايمان في الحقيقة أمر للمتحقق بمرتبة من الايمان أن يتلبس بمرتبة هي أعلى منها، وهذا النوع من الامر فيه إيماء إلى أن الذي عند المأمور من المأمور به لا يرضي الآمر كل الارضاء.
وثانيا: أن قوله: " آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا " أمر بالانفاق مع التلويح إلى أنه أثر صفة هم متلبسون بها فعليهم أن ينفقوا لما اتصفوا بها فيؤل إلى تعليل الانفاق بإيمانهم.
وقوله: " وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " استخلاف الانسان جعله خليفة، والمراد به إما خلافتهم عن الله سبحانه يخلفونه في الأرض كما يشير إليه قوله: " إني جاعل في الأرض خليفة " البقرة: 30، والتعبير عما بأيديهم من المال بهذا التعبير لبيان الواقع ولترغيبهم في الانفاق فإنهم إذا أيقنوا أن المال لله وهم مستخلفون عليه وكلاء من ناحيته يتصرفون فيه كما أذن لهم سهل عليهم إنفاقه ولم تتحرج نفوسهم من ذلك.
وإما خلافتهم عمن سبقهم من الأجيال كما يخلف كل جيل سابقه، وفي التعبير به أيضا ترغيب في الانفاق فإنهم إذا تذكروا أن هذا المال كان لغيرهم فلم يدم عليهم علموا أنه كذلك لا يدوم لهم وسيتركونه لغيرهم وهان عليهم إنفاقه وسخت بذلك نفوسهم.
وقوله: " فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير " وعد للاجر على الانفاق تأكيدا للترغيب، والمراد بالايمان الايمان بالله ورسوله.