تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٣٢
وثانيهما: أنه تعالى لما كان هو خالقهم وهو المدبر لأمرهم المقدر لهم خصوصيات خلقهم و أمرهم فهو أعلم بما يفعل بهم وسيجري عليهم فإذا أنبأهم بأنه سيبعثهم بعد موتهم ويجزيهم بما عملوا إن خيرا وإن شرا لم يكن بد من تصديقه فلا عذر لمن كذب بما أخبر به كتابه من البعث والجزاء، قال تعالى: " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " الملك:
14، وقال: " كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " الأنبياء: 104، وقال: " وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا " النساء: 122.
فمحصل الآية: نحن خلقناكم ونعلم ما فعلنا وما سنفعل بكم فنخبركم أنا سنبعثكم ونجزيكم بما عملتم فهلا تصدقون بما نخبركم به فيما أنزلناه من الكتاب.
وفي الآية وما يتلوها من الآيات التفات من الغيبة إلى الخطاب لان السياق سياق التوبيخ والمعاتبة وذلك بالخطاب أوقع وآكد.
قوله تعالى: " أفرأيتم ما تمنون " الامناء قذف المني وصبه والمراد قذفه وصبه في الأرحام، والمعنى: أفرأيتم المني الذي تصبونه في أرحام النساء.
قوله تعالى: " أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون " أي أنتم تخلقونه بشرا مثلكم أم نحن خالقوه بشرا.
قوله تعالى: " نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين " تدبير أمر الخلق بجميع شؤونه وخصوصياته من لوازم الخلق بمعنى إفاضة الوجود فوجود الانسان المحدود بأول كينونته إلى آخر لحظة من حياته الدنيا بجميع خصوصياته التي تتحول عليه بتقدير من خالقه عز وجل. فموته أيضا كحياته بتقدير منه، وليس يعتريه الموت لنقص من قدرة خالقه أن يخلقه بحيث لا يعتريه الموت أو من جهة أسباب وعوامل تؤثر فيه بالموت فتبطل الحياة التي أفاضها عليه خالقه تعالى فإن لازم ذلك أن تكون قدرته تعالى محدودة ناقصة وأن يعجزه بعض الأسباب وتغلب إرادته إرادته وهو محال كيف؟ والقدرة مطلقة والإرادة غير مغلوبة.
ويتبين بذلك أن المراد بقوله: " نحن قدرنا بينكم الموت " أن الموت حق مقدر وليس أمرا يقتضيه ويستلزمه نحو وجود الحي بل هو تعالى قدر له وجودا كذا ثم موتا يعقبه.
وأن المراد بقوله: " وما نحن بمسبوقين " - والسبق هو الغلبة والمسبوق المغلوب - ولسنا مغلوبين في عروض الموت عن الأسباب المقارنة له بأن نفيض عليكم حياة نريد أن
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»
الفهرست