تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٣٤
وليس في الدنيا فهو في دار أخرى وهي النشأة الآخرة (1).
على أنهم شاهدوا النشأة الأولى وعرفوها وعلموا أن الذي أوجدها عن كتم العدم هو الله سبحانه وإذ قدر عليها أولا فهو على إيجاد مثلها ثانيا قادر، قال تعالى: " قل يحييها الذي أنشأها أول مرة " يس: 79، وهذا برهان على الامكان يرتفع به استبعادهم للبعث.
وبالجملة يحصل لهم بالعلم بالنشأة الأولى علم بمبادئ البرهان على إمكان البعث فيرتفع به استبعاد البعث فلا استبعاد مع الامكان.
وهذا - كما ترى - برهان على إمكان حشر الأجساد، محصله أن البدن المحشور مثل البدن الدنيوي وإذ جاز صنع البدن الدنيوي وإحياؤه فليجز صنع البدن الأخروي وإحياؤه لأنه مثله وحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.
فمن العجيب قول الزمخشري في الكشاف في الآية: وفي هذا دليل على صحة القياس حيث جهلهم في ترك قياس النشأة الأخرى بالأولى. انتهى. وذلك لان الذي في الآية قياس برهاني منطقي والذي يستدل بها عليه قياس فقهي مفيد للظن فأين أحدهما من الآخر؟
وقال في روح المعاني في الآية: فهلا تتذكرون أن من قدر عليها يعني على النشأة الأولى فهو على النشأة الأخرى أقدر وأقدر فإنها أقل صنعا لحصول المواد وتخصيص الاجزاء وسبق المثال، وهذا على ما قالوا دليل على صحة القياس لكن قيل: لا يدل إلا على قياس الأولى لأنه الذي في الآية. انتهى.
وفيه ما في سابقه. على أن الذي في الآية ليس من قياس الأولى في شئ لان الجامع بين النشأة الأولى والأخرى أنهما مثلان ومبدأ القياس أن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.
وأما قوله: إن النشأة الأخرى أقل صنعا لحصول المواد وتخصيص الاجزاء، فهو ممنوع فإن المواد تحتاج إلى إفاضة الوجود بقاء كما تحتاج إليها في حدوثها وأول حصولها، وكذا تخصص الاجزاء يحتاج إليها بقاء كما تحتاج إليها فالصنع ثانيا كالصنع أولا.
وأما قوله: وسبق المثال، فقد خلط بين المثل والمثال فالبدن الأخروي بالنظر إلى نفسه مثل البدن الدنيوي لا على مثاله ولو كان على مثاله كانت الآخرة دنيا لا آخرة.

(1) الآية 27 و 28 من سورة ص.
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»
الفهرست