تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٢٧
فنزلت نصف النهار " ثلة من الأولين وثلة من الآخرين " تقابلون الناس فنسخت الآية " وقليل من الآخرين ".
أقول: قال في الكشاف في تفسير الآية: فإن قلت: فقد روي أنها لما نزلت شق ذلك على المسلمين فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجع ربه حتى نزلت " ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ".
قلت: هذا لا يصح لامرين: أحدهما: أن هذه الآية واردة في السابقين ورودا ظاهرا وكذلك الثانية في أصحاب اليمين، ألا ترى كيف عطف أصحاب اليمين ووعدهم على السابقين ووعدهم؟ الثاني: أن النسخ في الاخبار غير جائز. انتهى.
وأجيب عنه بأنه يمكن أن يحمل الحديث على أن الصحابة لما سمعوا الآية الأولى حسبوا أن الامر في هذه الأمة يذهب على هذا النهج فيكون أصحاب اليمين ثلة من الأولين وقليلا منهم فيكون الفائزون بالجنة في هذه الأمة أقل منهم في الأمم السالفة فنزلت " ثلة من الأولين وثلة من الآخرين " فزال حزنهم، ومعنى نسخ الآية السابقة إزالة حسبانهم المذكور.
وأنت خبير بأنه حمل على ما لا دليل عليه من جهة اللفظ واللفظ يأباه وخاصة حمل نسخ الآية على إزالة الحسبان، وحال الرواية الأولى وخاصة من جهة ذيلها كحال هذه الرواية.
وفي المجمع في قوله تعالى: " يطوف عليهم ولدان مخلدون " اختلف في هذه الولدان فقيل: إنهم أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها فانزلوا هذه المنزلة.
قال: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل عن أطفال المشركين؟ فقال: هم خدم أهل الجنة.
أقول: ورواه في الدر المنثور عن الحسن، والرواية ضعيفة لا تعويل عليها.
وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة والبزار وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا.
أقول: وفي هذا المعنى روايات كثيرة وفي بعضها أن المؤمن يأكل ما يشتهيه ثم يعود الباقي إلى ما كان عليه ويحيا فيطير إلى مكانه ويباهي بذلك.
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست