تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٣٥
فان قلت: لو كان البدن الأخروي مثلا للبدن الدنيوي ومثل الشئ غيره كان الانسان المعاد في الآخرة غير الانسان المبتدء في الدنيا لأنه مثله لا عينه.
قلت: قد تقدم في المباحث السابقة غير مرة أن شخصية الانسان بروحه لا ببدنه " والروح لا تنعدم بالموت وإنما يفسد البدن وتتلاشى أجزاؤه ثم إذا سوي ثانيا مثل ما كان في الدنيا ثم تعلقت به الروح كان الانسان عين الانسان الذي في الدنيا كما كان زيد الشائب مثلا عين زيد الشاب لبقاء الروح على شخصيتها مع تغير البدن لحظة بعد لحظه.
قوله تعالى: " أفرأيتم ما تحرثون - إلى قوله - محرومون " بعد ما ذكرهم بكيفية خلق أنفسهم وتقدير الموت بينهم تمهيدا للبعث والجزاء وكل ذلك من لوازم ربوبيته عد لهم أمورا ثلاثة من أهم ما يعيشون به في الدنيا وهي الزرع الذي يقتاتون به والماء الذي يشربونه والنار التي يصطلون بها ويتوسلون بها إلى جمل من مأربهم، وتثبت بذلك ربوبيته لهم فليست الربوبية إلا التدبير عن ملك.
فقال: " أفرأيتم ما تحرثون " الحرث العمل في الأرض وإلقاء البذر عليها " أأنتم تزرعونه " أي تنبتونه وتنمونه حتى يبلغ الغاية، وضمير " تزرعونه " للبذر أو الحرث المعلوم من المقام " أم نحن الزارعون " المنبتون المنمون حتى يكمل زرعا " لو نشاء لجعلناه حطاما " أي هشيما متكسرا متفتتا " فظلتم " أي فظللتم وصرتم " تفكهون " أي تتعجبون مما أصيب به زرعكم وتتحدثون بما جرى قائلين " إنا لمغرمون " موقعون في الغرامة والخسارة ذهب مالنا وضاع وقتنا وخاب سعينا " بل نحن محرومون " ممنوعون من الرزق والخير.
ولا منافاة بين نفي الزرع عنهم ونسبته إليه تعالى وبين توسط عوامل وأسباب طبيعية في نبات الزرع ونموه فإن الكلام عائد في تأثير هذه الأسباب وصنعها، وليس نحو تأثيرها باقتضاء من ذاتها منقطعة عنه تعالى بل بجعله ووضعه وموهبته، وكذا الكلام في أسباب هذه الأسباب، وينتهي الامر إلى الله سبحانه وأن إلى ربك المنتهى.
قوله تعالى: " أفرأيتم الماء الذي تشربون - إلى قوله - فلولا تشكرون " المزن السحاب، وقوله: " فلولا تشكرون " تحضيض على الشكر، وشكره تعالى جميل ذكره تعالى على نعمه وهو إظهار عبوديته قولا وعملا. والباقي ظاهر.
قوله تعالى: " أفرأيتم النار التي تورون - إلى قوله - ومتاعا للمقوين " قال في المجمع:
(١٣٥)
مفاتيح البحث: الرزق (1)، الشكر (1)، الموت (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»
الفهرست