منه فهم القائلون على ما يحكيه القرآن عنهم: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) الزمر: 3، (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) يونس: 18.
فسؤال التودد إلى الله بالتقرب إليه من غير تقييده بكونه بعبادته وحده، وجعل ذلك أجرا مطلوبا ممن يرى شركه نوع تودد إلى الله بالتقرب إليه، وخطابهم بذلك على ما فيه من الابهام - و المقام مقام تمحيضه صلى الله عليه وآله وسلم نفسه في دعوتهم إلى دين التوحيد لا يسألهم لنفسه شيئا قط - مما لا يرتضيه الذوق السليم.
على أن المستعمل في الآية هو المودة دون التودد فالمراد بالمودة حبهم لله في التقرب إليه ولم يرد في كلامه تعالى إطلاق المودة على حب العباد لله سبحانه وإن ورد العكس كما في قوله: (إن ربي رحيم ودود) هود: 90، وقوله: و (هو الغفور الودود) البروج: 14، ولعل ذلك لما في لفظ المودة من الاشعار بمراعاة حال المودود وتعاهده وتفقده، حتى قال بعضهم - على ما حكاه الراغب - إن مودة الله لعباده مراعاته لهم.
والاشكال السابق على حاله ولو فسرت المودة في القربى بموادة الناس بعضهم بعضا ومحابتهم في التقرب إلى الله بأن تكون القربات أسبابا للمودة والحب فيما بينهم فإن للمشركين ما يماثل ذلك فيما بينهم على ما يعتقدون.
وقيل: المراد بالمودة في القربى، مودة قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم عترته من أهل بيته عليه السلام وقد وردت به روايات من طرق أهل السنة وتكاثرت الاخبار من طرق الشيعة على تفسير الآية بمودتهم وموالاتهم، ويؤيده الأخبار المتواترة من طرق الفريقين على وجوب موالاة أهل البيت عليه السلام ومحبتهم.
ثم التأمل الكافي في الروايات المتواترة الواردة من طرق الفريقين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتضمنة لارجاع الناس في فهم كتاب الله بما فيه من أصول معارف الدين وفروعها وبيان حقائقه إلى أهل البيت عليه السلام كحديث الثقلين وحديث السفينة وغير هما لا يدع ريبا في أن إيجاب مودتهم وجعلها أجرا للرسالة إنما كان ذريعة إلى إرجاع الناس إليهم فيما كان لهم من المرجعية العلمية.
فالمودة المفروضة على كونها أجرا للرسالة لم تكن أمرا وراء الدعوة الدينية