تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٨٧
الثانية فاللام فيها للغرض لكنه غرض تبعي وبالقصد الثاني لا غرض أصلي وبالقصد الأول وقد تقدم إشباع الكلام في تفسير الآيتين.
فان قلت: لو كان اللام في (ليعبدون) للغرض كانت العبادة غرضه تعالى المراد من الخلقة، ومن المحال أن يتخلف مراده تعالى عن إرادته لكن من المعلوم المشاهد عيانا أن كثيرا منهم لا يعبدونه تعالى وهذا نعم الدليل على أن اللام في الآية ليست للغرض أو أنها للغرض لكن المراد بالعبادة العبادة التكوينية كما في قوله: (وإن من شئ إلا يسبح بحمده) أسرى: 44.
أو أن المراد بخلقهم للعبادة خلقهم على وجه صالح لان يعبدوا الله بجعلهم ذوي اختيار وعقل واستطاعة، وتنزيل الصلاحية والاستعداد منزلة الفعلية مجاز شائع كما يقال: خلق البقر للحرث، والدار للسكنى.
قلت: الاشكال مبني على كون اللام في الجن والإنس للاستغراق فيكون تخلف الغرض في بعض الافراد منافيا له وتخلفا من الغرض، والظاهر أن اللام فيهما للجنس دون الاستغراق فوجود العبادة في النوع في الجملة تحقق للغرض لا يضره تخلفه في بعض الافراد نعم لو ارتفعت العبادة عن جميع الافراد كان ذلك بطلانا للغرض، ولله سبحانه في النوع غرض كما أن له في الفرد غرضا.
وأما حمل العبادة على العبادة التكوينية فيضعفه أنها شأن عامة المخلوقات لا موجب لتخصيصه بالجن والانس مضافا إلى أن السياق سياق توبيخ الكفار على ترك عبادة الله التشريعية وتهديدهم على إنكار البعث والحساب والجزاء وذلك متعلق بالعبادة التشريعية دون التكوينية.
أما حمل العبادة على الصلوح والاستعداد بأن يكون الغرض من خلق الجن والإنس كونهما بحيث يصلحان للعبادة ويستعدان لها أو لتعلق الأمر والنهي العباديين فيضعفه أن من البين أن الصلوح والاستعداد إنما يتعلق به الطلب لأجل الفعلية التي يتعلق به الصلوح والاستعداد فلو كان الغرض المطلوب من خلقهما كونهما بحيث يصلحان للعبادة أو لتعلق الأمر والنهي العباديين فقد تعلق الغرض أولا بفعلية عبادتهما ثم بالصلوح والاستعداد لمكان المقدمية.
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 » »»
الفهرست