تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٨٦
قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فيه التفات من سياق التكلم بالغير إلى التكلم وحده لان الافعال المذكورة سابقا المنسوبة إليه تعالى كالخلق وإرسال الرسل وإنزال العذاب كل ذلك مما يقبل توسيط الوسائط كالملائكة وسائر الأسباب بخلاف الغرض من الخلق والايجاد فإنه أمر يختص بالله سبحانه لا يشاركه فيه أحد.
وقوله: (إلا ليعبدون) استثناء من النفي لا ريب في ظهوره في أن للخلقة غرضا وأن الغرض العبادة بمعنى كونهم عابدين لله لا كونه معبودا فقد قال: ليعبدون لم يقل:
لأعبد أو لأكون معبودا لهم.
على أن الغرض كيفما كان أمر يستكمل به صاحب الغرض ويرتفع به حاجته والله سبحانه لا نقص فيه ولا حاجة له حتى يستكمل به ويرتفع به حاجته، ومن جهة أخرى الفعل الذي لا ينتهي إلى غرض لفاعله لغو سفهي ويستنتج منه أن له سبحانه في فعله غرضا هو ذاته لا غرض خارج منه، وأن لفعله غرضا يعود إلى نفس الفعل (1) وهو كمال للفعل لا لفاعله، فالعبادة غرض لخلقة الانسان وكمال عائد إليه هي وما يتبعها من الآثار كالرحمة والمغفرة وغير ذلك، ولو كان للعبادة غرض كالمعرفة الحاصلة بها والخلوص لله كان هو الغرض الأقصى والعبادة غرضا متوسطا.
فان قلت: ما ذكرته من حمل اللام في (ليعبدون) على الغرض يعارضه قوله تعالى: (لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) هود: 119، وقوله:
(ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس) الأعراف: 179، فإن ظاهر الآية الأولى كون الغرض من الخلقة الاختلاف، وظاهر الثانية كون الغرض من خلق كثير من الجن والإنس دخول جهنم فلا محيص عن رفع اليد من حمل اللام على الغرض وحملها على الغاية.
قلت: أما الآية الأولى فالإشارة فيها إلى الرحمة دون الاختلاف، وأما الآية

(1) فالله تعال خلق الانسان ليثيبه والثواب عائد إلى الانسان وهو المنتفع به والله غني عنه، وأما غرضه تعالى فهو ذاته المتعالية وإنما خلقه لأنه الله عز اسمه. منه.
(٣٨٦)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 » »»
الفهرست