تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٤١
فخلق الأرض وما جرى فيها من التدبير الإلهي العجيب أحسن دليل يدل العقل على كمال القدرة والعلم.
قوله تعالى: (تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) مفعول له أي فعلنا ما فعلنا من بناء السماء ومد الأرض وعجائب التدبير التي أجريناها فيهما ليكون تبصرة يتبصر بها وذكرى يتذكر بها كل عبد راجع إلى الله سبحانه.
قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد) السماء جهة العلو والماء المبارك المطر، وصف بالمباركة لكثرة خيراته العائدة إلى الأرض وأهلها، وحب الحصيد المحصود من الحب وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: (والنخل باسقات لها طلع نضيد) الباسقات جمع باسقة وهي الطويلة العالية، والطلع أول ما يطلع من ثمر النخيل، والنضيد بمعنى المنضود بعضه على بعض، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: (رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج) الرزق ما يمد به البقاء، و (رزقا للعباد) مفعول له أي أنبتنا هذه الجنات وحب الحصيد والنخل باسقات بما لها من الطلع النضيد ليكون رزقا للعباد فمن خلق هذه النباتات ليرزق به العباد بما في ذلك من التدبير الوسيع الذي يدهش اللب ويحير العقل هو ذو علم لا يتناهى وقدرة لا تعيى لا يشق عليه إحياء الانسان بعد موته وإن تلاشت ذرات جسمه وضلت في الأرض أجزاء بدنه.
وقوله: (و أحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج) برهان آخر على البعث غير ما تقدم استنتج من طي الكلام فإن البيان السابق في رد استبعادهم للبعث مستندين إلى صيرورتهم ترابا غير متمايز الاجزاء كان برهانا من مسلك إثبات علمه بكل شئ وقدرته على كل شئ وهذا البرهان الذي يتضمنه قوله: (وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج) من مسلك إثبات إمكان الشئ بوقوع مثله فليس الخروج من القبور بالاحياء بعد الموت إلا مثل خروج النبات الميت من الأرض بعد موتها ووقوف قواه عن النماء والنشوء.
وقد قررنا هذا البرهان في ذيل الآيات المستدلة باحياء الأرض بعد موتها على
(٣٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 ... » »»
الفهرست