بعد فصل فقد افتتح بقوله: " تنزيل من الرحمان الرحيم " الخ ثم قيل: " وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن " الخ، وقيل: " إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا " الخ، و قيل: " إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم " الخ، وقيل - وهو في خاتمة الكلام -: " قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به " الخ.
ولازم إعراضهم عن كتاب الله إنكار الأصول الثلاثة التي هي أساس دعوته الحقة وهي الوحدانية والنبوة والمعاد فبسطت الكلام فيها وضمنته التبشير والانذار.
والسورة مكية لشهادة مضامين آياتها على ذلك وهي من السور النازلة في أوائل البعثة على ما يستفاد من الروايات.
قوله تعالى: " حم تنزيل من الرحمان الرحيم " خبر مبتدء محذوف، والمصدر بمعنى المفعول، والتقدير هذا منزل من الرحمان الرحيم، والتعرض للصفتين الكريمتين:
الرحمان الدال على الرحمة العامة للمؤمن والكافر، والرحيم الدال على الرحمة الخاصة بالمؤمنين للإشارة إلى أن هذا التنزيل يصلح للناس دنياهم كما يصلح لهم آخرتهم.
قوله تعالى: " كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " خبر بعد خبر، والتفصيل يقابل الاحكام والاجمال، والمراد بتفصيل آيات القرآن تمييز أبعاضه بعضها من بعض بإنزاله إلى مرتبة البيان بحيث يتمكن السامع العارف بأساليب البيان من فهم معانيه وتعقل مقاصده وإلى هذا يشير قوله تعالى: " كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " هود: 1، وقوله: " والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم " الزخرف: 4.
وقوله: " قرآنا عربيا " حال من الكتاب أو من آياته، وقوله: " لقوم يعلمون " اللام للتعليل أو للاختصاص، ومفعول " يعلمون " إما محذوف والتقدير لقوم يعلمون معانيه لكونهم عارفين باللسان الذي نزل به وهم العرب وإما متروك والمعنى لقوم لهم علم.
ولازم المعنى الأول أن يكون هناك عناية خاصة بالعرب في نزول القرآن عربيا وهو الذي يشعر به أيضا قوله الآتي: " ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي " الآية وقريب منه قوله: " ولو نزلناه على بعض الاعجمين فقرأه