فإن فحواه أن الكافر والشاكر لا يستويان ولا يختلطان فأوضح ذلك في هذه الآية بأن القانت الذي يخاف العذاب ويرجو رحمة ربه لا يساوي غيره.
فقوله: " أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه " أحد شقي الترديد محذوف والتقدير أهذا الذي ذكرناه خير أم من هو قانت الخ؟
والقنوت - على ما ذكره الراغب - لزوم الطاعة مع الخضوع، والاناء جمع أنى وهو الوقت، و " يحذر الآخرة " أي عذاب الله في الآخرة قال تعالى: " إن عذاب ربك كان محذورا " أسرى: 57، وقوله: " يرجو رحمة ربك " هو وما قبله يجمعان خوف العذاب ورجاء الرحمة، ولم يقيد الرحمة بالآخرة فإن رحمة الآخرة ربما وسعت الدنيا.
والمعنى أهذا الكافر الذي هو من أصحاب النار خير أم من هو لازم للطاعة والخضوع لربه في أوقات الليل إذا جن عليه ساجدا في صلاته تارة قائما فيها أخرى يحذر عذاب الآخرة ويرجو رحمة ربه؟ أي لا يستويان.
وقوله: " قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون " العلم وعدمه مطلقان لكن المراد بهما بحسب ما ينطبق على مورد الآية العلم بالله وعدمه فإن ذلك هو الذي يكمل به الانسان وينتفع بحقيقة معنى الكلمة ويتضرر بعدمه، وغيره من العلم كالمال ينتفع به في الحياة الدنيا ويفنى بفنائها.
وقوله: " إنما يتذكر أولو الألباب " أي ذوو العقول وهو في مقام التعليل لعدم تساوى الفريقين بأن أحد الفريقين يتذكر حقائق الأمور دون الفريق الاخر فلا يستويان بل يترجح الذين يعلمون على غيرهم.
قوله تعالى: " قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة " إلى آخر الآية، الجار والمجرور " في هذه الدنيا " متعلق بقوله: " أحسنوا " فالمراد بالجملة وعد الذين أحسنوا أي لزموا الأعمال الحسنة أن لهم حسنة لا يقدر وصفها بقدر.
وقد أطلق الحسنة فلم يقيدها بدنيا أو آخرة وظاهرها ما يعلم الدنيا فللمؤمنين المحسنين في هذه الدنيا طيب النفس وسلامة الروح وصون النفوس عما يتقلب فيه الكفار من تشوش البال وتقسم القلب وغل الصدر والخضوع للأسباب الظاهرية وفقد من يرجى