ورضوا بالحياة الدنيا " يونس: 7 وما ربما يتعلق بالذوات فإنما هو بعناية ما ويؤل بالآخرة إلى المعنى كقوله: " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى " البقرة: 120.
وليس الرضا هو الإرادة بعينها وإن كان كلما تعلقت به الإرادة فقد تعلق به الرضا بعد وقوعه بوجه. وذلك لان الإرادة - كما قيل - تتعلق بأمر غير واقع والرضا إنما يتعلق بالامر بعد وقوعه أو فرض وقوعه فإذن كون الانسان راضيا بفعل كذا كونه بحيث يلائم ذلك الفعل ولا ينافره، وهو وصف قائم بالراضي دون المرضي.
ثم الرضا لكونه متعلقا بالامر بعد وقوعه كان متحققا بتحقق المرضي حادثا بحدوثه فيمتنع أن يكون صفة من الصفات القائمة بذاته لتنزهه تعالى عن أن يكون محلا للحوادث فما نسب إليه تعالى من الرضا صفة فعل قائم بفعله منتزع عنه كالرحمة والغضب والإرادة والكراهة قال تعالى: " رضي الله عنهم ورضوا عنه " البينة: 8 وقال: " وأن أعمل صالحا ترضاه " النمل: 19، وقال: " ورضيت لكم الاسلام دينا " المائدة: 3.
فرضاه تعالى عن أمر من الأمور ملائمة فعله تعالى له، وإذ كان فعله قسمين تكويني وتشريعي انقسم الرضا منه أيضا إلى تكويني وتشريعي فكل أمر تكويني وهو الذي أراد الله وأوجده فهو مرضي له رضا تكوينيا بمعنى كون فعله وهو إيجاده عن مشية ملائما لما أوجده، وكل أمر تشريعي وهو الذي تعلق به التكليف من اعتقاد أو عمل كالايمان والعمل الصالح فهو مرضي له رضا تشريعيا بمعنى ملاءمة تشريعه للمأتي به.
وأما ما يقابل هذه الأمور المأمور بها مما تعلق به نهي فلا يتعلق بها رضى البتة لعدم ملاءمة التشريع لها كالكفر والفسوق كما قال تعالى: " إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر " الزمر: 7، وقال: " فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين " التوبة: 96.
قوله تعالى: " وإذا مس الانسان ضر دعا ربه منيبا إليه " إلى آخر الآية الإنابة الرجوع، والتخويل العطية العظيمة على وجه الهبة وهي المنحة. على ما في المجمع.
لما مر في الآية السابقة ذكر من كفر النعمة وأن الله سبحانه على غناه من الناس