في الأرض بفساد اعتقادهم وعملهم وهم الفجار هم الناقصون الخاسرون في إنسانيتهم حقيقة، ومقتضى هذا الكمال والنقص أن يكون بإزاء الكمال حياة سعيدة وعيش طيب وبإزاء خلافه خلاف ذلك.
ومن المعلوم أن هذه الحياة الدنيا التي يشتركان فيها هي تحت سيطرة الأسباب والعوامل المادية ونسبتها إلى الكامل والناقص والمؤمن والكافر على السواء فمن أجاد العمل ووافقته الأسباب المادية فاز بطيب العيش ومن كان على خلاف ذلك لزمه الشقاء وضنك المعيشة.
فلو كانت الحياة مقصورة على هذه الحياة الدنيوية التي نسبتها إلى الفريقين على السواء ولم تكن هناك حياة تختص بكل منهما وتناسب حاله كان ذلك منافيا للعناية الإلهية بإيصال كل ذي حق حقه وإعطاء المقتضيات ما تقتضيه.
وإن شئت فقل: تسوية (1) بين الفريقين وإلغاء ما يقتضيه صلاح هذا وفساد ذلك خلاف عدله تعالى.
والآية - كما ترى - لا تنفي استواء حال المؤمن والكافر وإنما قررت المقابلة بين من آمن وعمل صالحا وبين من لم يكن كذلك سواء كان غير مؤمن أو مؤمنا غير صالح ولذا أتت بالمقابلة ثانيا بين المتقين والفجار.
قوله تعالى: " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب " أي هذا كتاب من وصفه كذا وكذا، وتوصيفه بالانزال المشعر بالدفعة دون التنزيل الدال على التدريج لان ما ذكر من التدبر والتذكر يناسب اعتباره مجموعا لا نجوما مفرقة.
والمقابلة بين " ليدبروا " و " ليتذكر أولوا الألباب " تفيد أن المراد بضمير الجمع الناس عامة.
والمعنى: هذا كتاب أنزلناه إليك كثير الخيرات والبركات للعامة والخاصة ليتدبره الناس فيهتدوا به أو تتم لهم الحجة وليتذكر به أولو الألباب فيهتدوا إلى الحق باستحضار حجته وتليقها من بيانه.