والمعنى - والله أعلم - أقسم بالقرآن المتضمن للذكر - إنك لمن المنذرين - بل الذين كفروا في امتناع عن قبوله واتباعه ومخالفة له.
قوله تعالى: " كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص " القرن أهل عصر واحد، والمناص بالنون مصدر ناص ينوص أي تأخر كما أنه بالباء الموحدة بمعنى التقدم على ما في المجمع وقيل: هو بمعنى الفرار.
والمعنى: كثيرا ما أهلكنا من قبل هؤلاء الكفار من قرن وأمة بتكذيبهم الرسل المنذرين فنادوا عند نزول العذاب بالويل كقولهم: يا ويلنا إنا كنا ظالمين أو بالاستغاثة بالله سبحانه وليس الحين حين تأخر الاخذ والعذاب أو ليس الحين حين فرار.
قوله تعالى: " وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب " أي تعجبوا من مجيئ منذر من نوعهم بأن كان بشرا فإن الوثنية تنكر رسالة البشر.
وقوله: " وقال الكافرون هذا ساحر كذاب " يشيرون بهذا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرمونه بالسحر لكونهم عاجزين عن الاتيان بمثل ما أتى به وهو القرآن، وبالكذب لزعمهم أنه يفتري على الله بنسبة القرآن وما فيه من المعارف الحقة إليه تعالى.
قوله تعالى: " أجعل الالهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب " العجاب بتخفيف الجيم اسم مبالغة من العجب وهو بتشديد الجيم أبلغ.
وهو من تتمة قول الكافرين والاستفهام للتعجيب والجعل بمعنى التصيير وهو كما قيل تصيير بحسب القول والاعتقاد والدعوى لا بحسب الواقع كما في قوله تعالى:
" وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا " الزخرف: 19 فمعنى جعله صلى الله عليه وآله وسلم الالهة إلها واحدا هو إبطاله ألوهية الالهة من دون الله وحكمه بأن الاله هو الله لا إله إلا هو.
قوله تعالى: " وانطلق الملا منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشئ يراد " نسبة الانطلاق إلى ملأهم وأشرافهم وقولهم ما قالوا يلوح إلى أن أشراف قريش اجتمعوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليحلوا مشكلة دعوته إلى التوحيد ورفض الالهة بنوع من الاستمالة وكلموه في ذلك فما وافقهم في شئ منه ثم انطلقوا وقال بعضهم لبعض أو قالوا