سؤال بعضهم بعضا تلاوما وتعاتبا يقول التابعون لمتبوعيهم: لم أضللتمونا؟ فيقول المتبوعون: لم قبلتم منا ولا سلطان لنا عليكم؟
فقوله: " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " البعض الأول هم المعترضون والبعض الثاني المعترض عليهم كما يعطيه سياق التساؤل وتساؤلهم تخاصمهم.
وقوله: " قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين " أي من جهة الخير والسعادة فاستعمال اليمين فيها شائع كثير كقوله: " وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين " الواقعة:
27 والمعنى أنكم كنتم تأتوننا من جهة الخير والسعادة فتقطعون الطريق وتحولون بيننا وبين الخير والسعادة وتضلوننا.
وقيل: المراد باليمين الدين وهو قريب من الوجه السابق، وقيل: المراد باليمين القهر والقوة كما في قوله تعالى: " فراغ عليهم ضربا باليمين " الصافات: 93 ولا يخلو من وجه نظرا إلى جواب المتبوعين.
وقوله: " قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان - إلى قوله - غاوين " جواب المتبوعين بتبرئة أنفسهم من إشقاء التابعين وأن جرمهم مستند إلى سوء اختيار أنفسهم.
فقالوا: بل لم تكونوا مؤمنين أي لم نكن نحن السبب الموجب لاجرامكم وهلاككم بخلوكم عن الايمان بل لم تكونوا مؤمنين لا أنا جردناكم من الايمان.
ثم قالوا: " وما كان لنا عليكم من سلطان " وهو في معنى الجواب على فرض التسليم كأنه قيل: ولو فرض أنه كان لكم إيمان فما كان لنا عليكم من سلطان حتى نسلبه منكم ونجردكم منه. على أن سلطان المتبوعين إنما هو بالتابعين فهم الذين يعطونهم السلطة والقوة فيتسلطون عليهم أنفسهم.
ثم قالوا: " بل كنتم قوما طاغين " والطغيان هو التجاوز عن الحد وهو إضراب عن قوله: " لم تكونوا مؤمنين " كأنه قيل: ولم يكن سبب هلاككم مجرد الخلو من الايمان بل كنتم قوما طاغين كما كنا مستكبرين طاغين فتعاضدنا جميعا على ترك سبيل الرشد واتخاذ سبيل الغي فحق علينا كلمة العذاب التي قضى بها الله سبحانه قال تعالى: