تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٥٢
الإلهي أنزه ساحة أن يتعاطى هذا النوع من المحاجة.
لكنه تعالى أمر رسوله أن يجيب عن حجتهم المبنية على الاستبعاد بأن حقيقة الموت ليس بطلانا لكم وضلالا منكم في الأرض بل ملك الموت الموكل بكم يأخذكم تامين كاملين من أجسادكم أي ينزع أرواحكم من أبدانكم بمعنى قطع علاقتها من الأبدان وأرواحكم تمام حقيقتكم فأنتم أي ما يعنى بلفظة (كم) محفوظون لا يضل منكم شئ في الأرض وانما يضل الأبدان وتتغير من حال إلى حال وقد كانت في معرض التغير من أول كينونتها. ثم انكم محفوظون حتى ترجعوا إلى ربكم بالبعث ورجوع الأرواح إلى أجسادها.
وبهذا يندفع حجتهم على نفى المعاد بضلالهم سواء قررت على نحو الاستبعاد أو قررت على أن تلاشى البدن يبطل شخصية الانسان فينعدم ولا معنى لإعادة المعدوم فان حقيقة الانسان هي نفسه التي يحكى عنها بقول (أنا) وهي غير البدن والبدن تابع لها في شخصيته وهي لا تتلاشى بالموت ولا تنعدم بل محفوظة في قدرة الله حتى يؤذن في رجوعها إلى ربها للحساب والجزاء فيبعث على الشريطة التي ذكر الله سبحانه.
وظهر بما تقدم أولا وجه اتصال قوله: (قل يتوفاكم) الخ بقوله: (ء إذا ضللنا في الأرض) الخ وأنه جواب حاسم للاشكال قاطع للشبهة، وقد أشكل الامر على بعض من فسر التوفي بمطلق الإماتة من غير التفات إلى نكتة التعبير بلفظ التوفي فتكلف في توجيه اتصال الآيتين بما لا يرتضيه العقل السليم.
وثانيا: أن الآية من أوضح الآيات القرآنية الدالة على تجرد النفس بمعنى كونها غير البدن أو شئ من حالات البدن.
قوله تعالى: (ولو ترى إذا المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا انا موقنون) نكس الرأس اطراقه وطأطأته، والمراد بالمجرمين بقرينة ذيل الآية خصوص المنكرين للمعاد فاللام فيه لا تخلو من معنى العهد أي هؤلاء الذين يجحدون المعاد ويقولون: (ء إذا ضللنا في الأرض) الخ.
وفى التعبير عن البعث بقوله: (عند ربهم) محاذاة لما تقدم من قوله: (بل هم بلقاء ربهم كافرون) أي واقفون موقفا من اللقاء لا يسعهم انكاره، وقولهم: (أبصرنا
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»
الفهرست