تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٤٧
وقال بعضهم: ان دون بمعنى عند والضمير في (من دونه) للعذاب، والمعنى:
ليس لكم من دون عذابه ولى، أي قريب ينفعكم ويرد عذابه عنكم ولا شفيع يشفع لكم.
وفيه أن ارجاع الضمير إلى العذاب تحكم من غير دليل، ويرد على جميع هذه الوجوه أنها تكلفات ناشئة من أخذ الشفيع غير المشفوع عنده وقد عرفت أن المعنى تحليلي والشفيع والمشفوع عنده واحد.
وقوله: (أفلا تتذكرون) استفهام توبيخي يوبخهم على استمرارهم على الاعراض عن أدلة العقول حتى يتذكروا أن الملك والتدبير لله سبحانه وهو المعبود بالحق ليس لهم دونه ولى ولا شفيع كما يزعمون ذلك لآلهتهم.
قوله تعالى: (يدبر الامر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) تتميم لبيان أن تدبير أمر الموجودات قائم به سبحانه وهذا هو القرينة على أن المراد بالامر في الآية الشأن دون الامر المقابل للنهي.
والتدبير وضع الشئ في دابر الشئ والاتيان بالامر بعد الامر فيرجع إلى اظهار وجود الحوادث واحدا بعد واحد كالسلسلة المتصلة بين السماء والأرض وقد قال تعالى:
(وان من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم) الحجر: 21، وقال:
(انا كل شئ خلقناه بقدر) القمر: 49.
وقوله: (ثم يعرج إليه) بعد قوله: (يدبر الامر من السماء إلى الأرض) لا يخلو من اشعار بأن (يدبر) مضمن معنى التنزيل والمعنى: يدبر الامر منزلا أو ينزله مدبرا - من السماء إلى الأرض ولعله الامر الذي يشير إليه قوله: (فسواهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها) حم السجدة: 12.
وفى قوله: (يعرج إليه) اشعار بأن المراد بالسماء مقام القرب الذي تنتهي إليه أزمة الأمور دون السماء بمعنى جهة العلو أو ناحية من نواحي العالم الجسماني فان الامر قد وصف قبل العروج بالنزول فظاهر العروج أنه صعود من الطريق التي نزل منها، ولم يذكر هناك الا علو هو السماء، وسفل هو الأرض ونزول وعروج فالنزول من السماء والعروج إلى الله يشعر بأن السماء هو مقام الحضور الذي يصدر منه تدبير
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»
الفهرست