تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٨١
عن الله سبحانه وأن الذي يجلب إليه الخير ويدفع عنه الشر هو قوته وجمعه وقد اكتسبهما بنبوغه العلمي.
قوله تعالى: (وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) الخ، ذكروا أن (وي) كلمة تندم وربما تستعمل للتعجب وكلا المعنيين يقبلان الانطباق على المورد وان كان التندم أسبق إلى الذهن.
وقوله: (كأن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) اعتراف منهم ببطلان ما كان يزعمه قارون وهم يصدقونه أن القوة والجمع في الدنيا بنبوغ الانسان في علمه وجودة تدبيره لا بفضل من الله سبحانه بل سعة الرزق وضيقه بمشية من الله.
والمقام مقام التحقيق دون التشبيه المناسب للشك والتردد لكنهم انما استعملوا في كلامهم (كأن) للدلالة على ابتداء ترددهم في قول قارون وقد قبلوه وصدقوه من قبل وهذه صنعة شائعة في الاستعمال.
والدليل على ذلك قولهم بعده: (لولا أن من الله علينا لخسف بنا) على طريق الجزم والتحقيق.
وقوله: (ويكأنه لا يفلح الكافرون) تندم منهم ثانيا وانتزاع مما كان لازم تمنيتهم مكان قارون.
قوله تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) الآية وما بعدها بمنزلة النتيجة المستخرجة من القصة.
وقوله: (تلك الدار الآخرة) الإشارة إليها بلفظ البعيد للدلالة على شرفها وبهائها وعلو مكانتها وهو الشاهد على أن المراد بها الدار الآخرة السعيدة ولذا فسروها بالجنة.
وقوله: (نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) أي نختصها بهم وإرادة العلو هو الاستعلاء والاستكبار على عباد الله وإرادة الفساد فيها ابتغاء معاصي الله تعالى فان الله بنى شرائعه التي هي تكاليف للانسان على مقتضيات فطرته وخلقته ولا تقتضي فطرته الا ما يوافق النظام الأحسن الجاري في الحياة الانسانية الأرضية فكل معصية تقضى إلى فساد في الأرض بلا واسطة أو بواسطة، قال تعالى: (ظهر
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»
الفهرست