تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٣٦
قوله تعالى: (وقال موسى ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار) الخ، مقتضى السياق كونه جوابا من موسى عن قولهم: (وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين) في رد دعوى موسى، وهو جواب مبنى على التحدي كأنه يقول: ان ربى - وهو رب العالمين له الخلق والامر - هو أعلم منكم بمن جاء بالهدى ومن تكون له عاقبة الدار وهو الذي أرسلني رسولا جائيا بالهدى - وهو دين التوحيد - ووعدني أن من أخذ بديني فله عاقبة الدار، والحجة على ذلك الآيات البينات التي آتانيها من عنده.
فقوله: (ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده) يريد به نفسه والمراد بالهدى الدعوة الدينية التي جاء بها.
وقوله: (ومن تكون له عاقبة الدار) المراد بعاقبة الدار اما الجنة التي هي الدار الآخرة التي يسكنها السعداء كما قال تعالى حكاية عنهم: (وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء) الزمر: 74، واما عاقبة الدار الدنيا كما في قوله: (قال موسى لقومه استعينوا الله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) الأعراف: 128، واما الأعم الشامل للدنيا والآخرة، والثالث أحسن الوجوه ثم الثاني كما يؤيده تعليله بقوله: (انه لا يفلح الظالمون).
وفى قوله: (انه لا يفلح الظالمون) تعريض لفرعون وقومه وفيه نفى أن تكون لهم عاقبة الدار فإنهم بنوا سنة الحياة على الظلم وفيه انحراف عن العدالة الاجتماعية التي تهدى إليها فطرة الانسان الموافقة للنظام الكوني.
قال بعض المفسرين: والوجه في عطف قوله: (وقال موسى ربى أعلم) الخ، على قولهم: (ما هذا الا سحر مفترى) الخ حكاية القولين ليوازن السامع بينهما ليميز صحيحهما من الفاسد. انتهى. وما قدمناه من كون قول موسى عليه السلام مسوقا لرد قولهم أوفق للسياق.
قوله تعالى: (وقال فرعون يا أيها الملا ما علمت لكم من اله غيري) إلى آخر الآية، فيه تعريض لموسى بما جاء به من الدعوة الحقة المؤيدة بالآيات المعجزة يريد أنه لم يتبين له حقية ما يدعو إليه موسى ولا كون ما أتى به من الخوارق آيات معجزة من
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»
الفهرست