صدقي في دعواي إذا خاصموني انى أخاف أن يكذبوني فلا أستطيع بيان صدق دعواي.
قوله تعالى: (قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون اليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون) شد عضده بأخيه كناية عن تقويته به، وعدم الوصول إليهما كناية عن عدم التسلط عليهما بالقتل ونحوه كأن الطائفتين يتسابقان وإحداهما متقدمة دائما والأخرى لا تدركهم بالوصول إليهم فضلا أن يسبقوهم.
والمعنى: قال سنقويك ونعينك بأخيك هارون ونجعل لكما سلطة وغلبة عليهم فلا يتسلطون عليكما بسبب آياتنا التي نظهر كما بها. ثم قال: (أنتما ومن اتبعكما الغالبون) وهو بيان لقوله: (ونجعل لكما سلطانا) الخ، يوضح أن هذا السلطان يشملهما ومن اتبعهما من الناس.
وقد ظهر بذلك أن السلطان بمعنى القهر والغلبة وقيل: هو بمعنى الحجة والأولى حينئذ أن يكون قوله: (بآياتنا) متعلقا بقوله: (الغالبون) لا بقوله:: (فلا يصلون اليكما) وقد ذكروا في الآية وجوها أخر لا جدوى في التعرض لها.
قوله تعالى: (فلما جاءهم موسى بآياتنا قالوا ما هذا الا سحر مفترى) الخ، أي سحر موصوف بأنه مفترى والمفترى اسم مفعول بمعنى المختلق أو مصدر ميمي وصف به السحر مبالغة.
والإشارة في قوله: (ما هذا الا سحر مفترى) إلى ما جاء به من الآيات أي ليس ما جاء به من الخوارق الا سحرا مختلقا افتعله فنسبه إلى الله كذبا.
والإشارة في قوله: (وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين) إلى ما جاء به من الدعوة وأقام عليها حجة الآيات، وأما احتمال أن يراد بها الإشارة إلى الآيات فلا يلائمه تكرار اسم الإشارة على أنهم كانوا يدعون أنهم سيأتون بمثلها كما حكى الله عن فرعون في قوله: (فلنأتينك بسحر مثله) طه: 58، على أن عدم معهودية السحر وعدم مسبوقيته بالمثل لا ينفعهم شيئا حتى يدعوه.
فالمعنى: أن ما جاء به موسى دين مبتدع لم ينقل عن آبائنا الأولين أنهم اتخذوه في وقت من الأوقات، ويناسبه ما حكى في الآية التالية من قول موسى: (ربى أعلم بمن جاء بالهدى) الخ.