أكون معينا لفرعون وقومه بصحبتهم وملازمتهم وتكثير سوادهم كما كنت أفعله إلى هذا اليوم.
ورد هذا الوجه الثاني بأنه لا يناسب المقام.
والحق أن قوله: (رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين) عهد من موسى عليه السلام أن لا يعين مجرما على اجرامه شكرا لله تعالى على ما أنعم عليه، والمراد بالنعمة وقد أطلقت اطلاقا الولاية الإلهية على ما يشهد به قوله تعالى: (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) النساء: 69.
وهؤلاء أهل الصراط المستقيم مأمونون من الضلال والغضب لقوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) الفاتحة:
7، وترتب الامتناع عن إعانة المجرمين على الانعام بهذا المعنى ظاهر لا سترة عليه.
ومن هنا يظهر أن المراد بالمجرمين أمثال فرعون وقومه دون أمثال الإسرائيلي الذي أعانه فلم يكن في اعانته جرم ولا كان وكز القبطي جرما حتى يتوب عليه السلام منه كيف؟ وهو عليه السلام من أهل الصراط المستقيم الذين لا يضلون بمعصيته، وقد نص تعالى على كونه من المخلصين الذين لا سبيل للشيطان إليهم بالاغواء حيث قال: (انه كان مخلصا وكان رسولا نبيا) مريم: 51.
وقد نص تعالى أيضا آنفا بأنه آتاه حكما وعلما وأنه من المحسنين ومن المتقين من أمره أن لا تستخفه عصبية قومية أو غضب في غير ما ينبغي أو إعانة ونصرة لمجرم في اجرامه.
وقد كرر (قال) ثلاثا حيث قيل: (قال هذا من عمل الشيطان) (قال رب انى ظلمت نفسي) (قال رب بما أنعمت على) وذلك لاختلاف السياق في الجمل الثلاث فالجملة الأولى قضاء منه وحكم، والجملة الثانية استغفار ودعاء، والجملة الثالثة عهد والتزام.
قوله تعالى: (فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى انك لغوي مبين) تقييد (أصبح) بقوله: (في المدينة) دليل على أنه بقى في المدينة ولم يرجع إلى قصر فرعون، والاستصراخ الاستغاثة برفع الصوت من الصراخ بمعنى الصياح، والغواية أخطاء الصواب خلاف الرشد.