تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٩١
مدعيا أن قوله: " منكم " بمعنى منهم على حد قوله: " وسقاهم ربهم شرابا طهورا، إن هذا كان لكم جزاء " الدهر: 22، هذا ولكن لا يلائمه سياق قوله: " ثم ننجي الذين اتقوا " الآية.
وفيه أن كون الورود في مثل قوله: " لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها " بمعنى الدخول ممنوع بل الأنسب كونه بمعنى الحضور والاشراف فإنه أبلغ كما هو ظاهر وكذا في قوله: " فأوردهم النار " فإن شأن فرعون وهو من أئمة الضلال هو أن يهدي قومه إلى النار وأما إدخالهم فيها فليس إليه.
وأما قوله: " ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها " فالآية دالة على كونهم داخلين فيها بدليل قوله: " نذر " لكن دلالتها على كونهم داخلين غير كون قوله " واردها " مستعملا في معنى الدخول، وكذا تنجية المتقين لا تستلزم كونهم داخلين فيها فإن التنجية كما تصدق مع إنقاذ من دخل المهلكة تصدق مع إبعاد من أشرف على الهلاك وحضر المهلكة من ذلك.
وأما الروايات فإنما وردت في شرح الواقعة لا في تشخيص ما استعمل فيه لفظ " واردها " في الآية فالاستدلال بها على كون الورود بمعنى الدخول ساقط.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المراد شأنية الدخول والمعنى: ما من أحد منكم إلا من شأنه أن يدخل النار وإنما ينجو من ينجو بإنجاء الله على حد قوله: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا " النور: 21.
قلت: معناه كون الورود مقتضى طبع الانسان من جهة أن ما يناله من خير وسعادة فمن الله ولا يبقى له من نفسه إلا الشر والشقاء لكن ينافيه ما في ذيل الآية من قوله: " كان على ربك حتما مقضيا " فإنه صريح في أن هذا الورود بإيراد من الله وبقضائه المحتوم لا باقتضاء من طبع الأشياء.
والحق أن الورود لا يدل على أزيد من الحضور والاشراف عن قصد - على ما يستفاد من كتب اللغة - فقوله: " وإن منكم إلا واردها " إنما يدل على القصد والحضور والاشراف، ولا ينافي دلالة قوله في الآية التالية: " ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا على دخولهم جميعا أو دخول الظالمين خاصة فيها بعد ما وردوها.
(٩١)
مفاتيح البحث: الظلم (2)، الضلال (1)، الجواز (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»
الفهرست