وحسبانهم عملهم حسنا مع ظهور الحق وتبين بطلان أعمالهم لهم إنما هو من جهة انجذاب نفوسهم إلى زينات الدنيا وزخارفها وانغمارهم في الشهوات فيحبسهم ذلك عن الميل إلى اتباع الحق والاصغاء إلى داعي الحق ومنادي الفطرة قال تعالى: " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " النمل: 14 وقال: " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم " البقرة: 206 فاتباعهم هوى أنفسهم ومضيهم على ما هم عليه من الاعراض عن الحق عنادا واستكبارا والانغمار في شهوات النفس ليس إلا رضى منهم بما هم عليه واستحسانا منهم لصنعهم.
قوله تعالى: " أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه " تعريف ثان وتفسير بعد تفسير للأخسرين أعمالا، والمراد بالآيات - على ما يقتضيه إطلاق الكلمة - آياته تعالى في الآفاق والأنفس وما يأتي به الأنبياء والرسل من المعجزات لتأييد رسالتهم فالكفر بالآيات كفر بالنبوة، على أن النبي نفسه من الآيات، والمراد بلقاء الله الرجوع إليه وهو المعاد. فآل تعريف الأخسرين أعمالا إلى أنهم المنكرون للنبوة والمعاد وهذا من خواص الوثنيين.
قوله تعالى: " فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " وجه حبط أعمالهم أنهم لا يعملون عملا لوجه الله ولا يريدون ثواب الدار الآخرة وسعادة حياتها ولا أن الباعث لهم على العمل ذكر يوم الحساب وقد مر كلام في الحبط في مباحث الأعمال في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
وقوله: " فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " تفريع على حبط أعمالهم والوزن يوم القيامة بثقل الحسنات على ما يدل عليه قوله تعالى: " والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم " الأعراف:
9، وإذ لا حسنة للحبط فلا ثقل فلا وزن.
قوله تعالى: " ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا " الإشارة إلى ما أورده من وصفهم، واسم الإشارة خبر لمبتدء محذوف والتقدير: الامر ذلك أي حالهم ما وصفناه وهو تأكيد وقوله: " جزاؤهم جهنم " كلام مستأنف ينبئ عن