في آخر السورة: " قل إنما أنا بشر مثلكم الآية.
قوله تعالى: " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ظاهر السياق أن الخطاب للمشركين وهو مسوق سوق الكناية وهم المعنيون بالتوصيف وسيقترب من التصريح في قوله: " أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه " فالمنكرون للنبوة والمعاد هم المشركون.
قيل: ولم يقل: بالأخسرين عملا، مع أن الأصل في التمييز أن يأتي مفردا والمصدر شامل للقليل والكثير للايذان بتنوع أعمالهم وقصد شمول الخسران لجميعها.
قوله تعالى: " الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " إنباء بالأخسرين أعمالا وهم الذين عرض في الآية السابقة على المشركين أن ينبئهم بهم ويعرفهم إياهم فعرفهم بأنهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وضلال السعي خسران ثم عقبه بقوله: " وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وبذلك تم كونهم أخسرين.
بيان ذلك: أن الخسران والخسار في المكاسب والمساعي المأخوذة لغاية الاسترباح إنما يتحقق إذا لم يصب الكسب والسعي غرضه وانتهى إلى نقص في رأس المال أو ضيعة السعي وهو المعبر عنه في الآية بضلال السعي كأنه ضل الطريق فانتهى به السير إلى خلاف غرضه. والانسان ربما يخسر في كسبه وسعيه لعدم تدرب في العمل أو جهل بالطريق أو لعوامل اخر اتفاقية وهي خسران يرجى زواله فإن من المرجو أن يتنبه به صاحبه ثم يستأنف العمل فيتدارك ما ضاع منه ويقضي ما فات، وربما يخسر وهو يذعن بأنه يربح، ويتضرر وهو يعتقد أن ينتفع لا يرى غير ذلك وهو أشد الخسران لا رجاء لزواله.
ثم الانسان في حياته الدنيا لا شأن له إلا السعي لسعادته ولا هم له فيما وراء ذلك فإن ركب طريق الحق وأصاب الغرض وهو حق السعادة فهو، وإن أخطأ الطريق وهو لا يعلم بخطأه فهو خاسر سعيا لكنه مرجو النجاة، وان أخطأ الطريق وأصاب غير الحق وسكن إليه فصار كلما لاح له لائح من الحق ضربت عليه نفسه بحجاب الاعراض وزينت له ما هو فيه من الاستكبار وعصبية الجاهلية فهو أخسر عملا وأخيب سعيا لأنه خسران لا يرجى زواله ولا مطمع في أن يتبدل يوما سعادة وهو قوله تعالى في تفسير الأخسرين أعمالا الذين: " ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ".