وحملوا على الروم وألجأوهم على الجزية كل ذلك في فجائع يطول شرحها.
لكنهم أهملوا البحث عن أمر السد من جهة خروجهم منه وحل مشكلته فإن قوله تعالى: " فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا وجعلنا بعضهم يومئذ يموج في بعض الآيات ظاهره على ما فسروه أن هذه الأمة المفسدة محبوسون فيما وراءه لا مخرج لهم إلى سائر الأرض ما دام معمورا قائما على ساقه حتى إذا جاء وعد الله سبحانه جعله دكاء مثلما أو منهدما فخرجوا منه إلى الناس وساروا بالفساد والشر.
فكان عليهم - على هذا - أن يقرروا للسد وصفه هذا فإن كانت هذه الأمة المذكورة هي التتر وقد ساروا من شمال الصين إلى إيران والعراق والشام وقفقاز إلى آسيا الصغرى فأين كان هذا السد الموصوف في القرآن الذي وطؤوه ثم طلعوا منه إلى هذه البلاد وجعلوا عاليها سافلها؟
وإن لم تكن هي التتر أو غيرها من الأمم المهاجمة في طول التاريخ فأين هذا السد المشيد بالحديد ومن صفته أنه يحبس أمة كبيرة منذ الوف من السنين من أن تهجم على سائر أقطار الأرض ولا مخرج لهم إلى سائر الدنيا دون السد المضروب دونهم وقد ارتبطت اليوم بقاع الأرض بعضها ببعض بالخطوط البرية والبحرية والهوائية وليس يحجز حاجز طبيعي كجبل أو بحر أو صناعي كسد أو سور أو خندق أمة من أمة فأي معنى لانصداد قوم عن الدنيا بسد بين جبلين بأي وصف وصف وعلى أي نحو فرض؟.
بيان والذي أرى في دفع هذا الاشكال - والله أعلم - أن قوله: " دكاء " من الدك بمعنى الذلة قال في لسان العرب: وجبل دك: ذليل. انتهى. والمراد بجعل السد دكاء جعله ذليلا لا يعبأ بأمره ولا ينتفع به من جهة اتساع طرق الارتباط وتنوع وسائل الحركة والانتقال برا وبحرا وجوا.
فحقيقة هذا الوعد هو الوعد برقي المجتمع البشري في مدنيته، واقتراب شتى أممه إلى حيث لا يسده سد ولا يحوطه حائط عن الانتقال من أي صقع من أصقاع الأرض إلى غيره ولا يمنعه من الهجوم والزحف إلى أي قوم شاؤوا.
ويؤيد هذا المعنى سياق قوله تعالى في موضع آخر يذكر فيه هجوم يأجوج ومأجوج