وقال مادحا لعبادتهم وتذللهم لربهم وهم من خشيته مشفقون: الأنبياء 28 وقال: " فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون:
حم السجدة 38 وقال: " واذكر ربك في نفسك - إلى أن قال - ولا تكن من الغافلين إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون " الأعراف: 206 فأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ان يذكره كذكرهم ويعبده كعبادتهم.
وحق الامر أن كون العمل جائز الفعل والترك ووقوف الانسان في موقف استواء النسبة ليس في نفسه ملاك أفضلية طاعته بل بما يكشف ذلك عن صفاء طينته وحسن سريرته والدليل على ذلك أن لا قيمه للطاعة مع العلم بخباثة نفس المطيع وقبح سريرته وإن بلغ في تصفية العمل وبذل المجهود فيه ما بلغ كطاعة المنافق ومريض القلب الحابط عمله عند الله الممحوة حسنته عن ديوان الأعمال فصفاء نفس المطيع وجمال ذاته وخلوصه في عبوديته الذي يكشف عنه انتزاعه من المعصية إلى الطاعة وتحمله المشاق في ذلك هو الموجب لنفاسة عمله وفضل طاعته.
وعلى هذا فذوات الملائكة ولا قوام لها إلا الطهارة والكرامة ولا يحكم في أعمالهم إلا ذل العبودية وخلوص النية أفضل من ذات الانسان المتكدرة بالهوى المشوبة بالغضب والشهوة وأعماله التي قلما تخلو عن خفايا الشرك وشامة النفس ودخل الطبع.
فالقوام الملكي أفضل من القوام الانساني والأعمال الملكية الخالصة لوجه الله أفضل من أعمال الانسان وفيها لون قوامه وشوب من ذاته، والكمال الذي يتوخاه الانسان لذاته في طاعته وهو الثواب اوتيه الملك في أول وجوده كما تقدمت الإشارة إليه.
نعم لما كان الانسان إنما ينال الكمال الذاتي تدريجا بما يحصل لذاته من الاستعداد سريعا أو بطيئا كان من المحتمل أن ينال عن استعداده مقاما من القرب وموطنا من الكمال فوق ما قد ناله الملك ببهاء ذاته في أول وجوده، وظاهر كلامه تعالى يحقق هذا الاحتمال.
كيف وهو سبحانه يذكر في قصة جعل الانسان خليفة في الأرض فضل الانسان واحتماله لما لا يحتمله الملائكة من العلم بالأسماء كلها، وأنه مقام من الكمال لا يتداركه