في أنظارهم، وطيب نفوسهم بقوله: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني مجير لكم أذب عنكم فلما تراءت الفئتان فرأى المشركون المؤمنين والمؤمنون المشركين رجع الشيطان القهقرى منهزما وراءه وقال للمشركين إني برئ منكم إني أرى ما لا ترونه من نزول ملائكة النصر للمؤمنين وما عندهم من العذاب الذي يهددكم انى أخاف عذاب الله والله شديد العقاب.
وهذا المعنى - كما ترى - يقبل الانطباق على وسوسة الشيطان لهم في قلوبهم وتهييجهم على المؤمنين وتشجيعهم على قتالهم وتطييب نفوسهم بما استعدوا به حتى إذا تراءت الفئتان ونزل النصر واستولى الرعب على قلوبهم انتكست اوهامهم وتبدلت أفكارهم وعادت مزعمة الغلبة وامنية الفتح والظفر مخافة مستولية على نفوسهم وخيبة ويأسا شاملة لقلوبهم.
ويقبل الانطباق على تصور شيطاني يبدو لهم فتنجذب إليه حواسهم بأن يكون قد تصور لهم في صورة انسان ويقول لهم ما حكاه الله من قوله: (لا غالب لكم اليوم من الناس وانى جار لكم) فيغويهم ويسيرهم ويقربهم من القتال حتى إذا تقاربت الفئتان وتراءتا فلما تراءت الفئتان ورأى الوضع على خلاف ما كان يؤمله ويطمع فيه نكص على عقبيه وقال: انى برئ منكم انى ارى ما لا ترون من نزول النصر والملائكة انى أخاف الله والله شديد العقاب، وقد ورد في روايات القصة من طرق الشيعة وأهل السنة ما يؤيد هذا الوجه.
وهو ان الشيطان تصور للمشركين في صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكناني ثم المدلجي وكان من أشراف كنانة وقال لهم ما قال وحمل رايتهم حتى إذا تلاقى الفريقان فر منهزما وهو يقول: (انى برئ منكم انى أرى ما لا ترون) إلى آخر ما حكاه الله تعالى، وستجئ الرواية في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.
وقد أصر بعض المفسرين على الوجه الأول، ورد الثاني بتزييف الآثار المروية وتضعيف أسناد الاخبار، وهى وإن لم تكن متواترة ولا محفوفة ببعض القرائن القطعية الموجبة للوثوق التام لكن أصل المعنى ليس من المستحيل الذي يدفعه العقل السليم، ولا من القصص التي تدفعها آثار صحيحة، ولا مانع من أن يتمثل لهم الشيطان فيوردهم مورد الضلال والغى حتى إذا تم له ما أراد تركهم في تهلكتهم أو حتى شاهد