عذابا إلهيا نكص على عقبيه هاربا.
على أن سياق الآية الكريمة أقرب إلى إفادة هذا الوجه الثاني منه إلى الوجه الأول، وخاصة بالنظر إلى قوله: (وإني جار لكم) وقوله: حتى إذا تراءت الفئتان نكص على عقبيه) وقوله: (إني أرى ما لا ترون) الآية فان إرجاع معنى قوله: (إني أرى) الخ مثلا إلى الخواطر النفسانية بنوع من العناية الاستعارية بعيد جدا.
قوله تعالى: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم) إلى آخر الآية، أي يقول المنافقون وهم الذين أظهروا الايمان وأبطنوا الكفر، والذين في قلوبهم مرض وهم الضعفاء في الايمان ممن لا يخلو نفسه من الشك والارتياب. يقولون - مشيرين إلى المؤمنين إشارة تحقير واستذلال -: غر هؤلاء دينهم إذ لولا غرور دينهم لم يقدموا على هذه المهلكة الظاهرة، وهم شرذمة أذلاء لا عدة لهم ولا عدة، وقريش على ما بهم من العدة والقوة والشوكة.
قوله تعالى: (ومن يتوكل على الله فان الله عزيز حكيم) في مقام الجواب عن قولهم وإبانه غرورهم أنفسهم. وقوله: (فان الله عزيز حكيم) من وضع السبب موضع المسبب، والمعنى: وقد أخطأ هؤلاء المنافقون والذين في قلوبهم مرض في قولهم فان المؤمنين توكلوا على الله ونسبوا حقيقة التأثير إليه وضموا أنفسهم إلى قوته وحوله، ومن يتوكل امره على الله فان الله يكفيه لأنه عزيز ينصر من استنصره حكيم لا يخطا في وضع كل أمر موضعه الذي يليق به.
وفي الآية دليل على حضور جمع من المنافقين وضعفاء الايمان ببدر حين تلاقى الفئتين.
اما المنافقون وهم الذين كانوا يظهرون الاسلام ويبطنون الكفر فلا معنى لكونهم بين المشركين فلم يكونوا إلا بين المسلمين لكن الشأن في العامل الذي أوجب منهم الثبات واليوم يوم شديد.
وأما الضعفاء الايمان أو لشاكون في حقيقة الاسلام فمن الممكن ان يكونوا بين المؤمنين أو في فئة المشركين وقد قيل: انهم كانوا فئة من قريش أسلموا بمكة واحتبسهم آباؤهم، واضطروا إلى الخروج مع المشركين إلى بدر حتى إذا حضروها وشاهدوا ما عليه المسلمون من القلة والذلة قالوا: مساكين هؤلاء غرهم دينهم،