والدعوة لا يريدان إلا ذلك كما هو ظاهر.
والذي يخرج إلى قتال عدوه، ثم لقيه واستعد الظرف للقتال، وليس فيه إلا زهاق النفوس، وسفك الدماء ونقص الأطراف وكل ما يهدد الانسان بالفناء في ما يحبه فان حاله يحول فكرته ويصرف إرادته إلى الظفر بما يريده بالقتال، والغلبة على العدو الذي يهدده بالفناء، والذي حاله هذا الحال وتفكيره هذا التفكير انما يذكر الله سبحانه بما يناسب حاله وتنصرف إليه فكرته.
وهذا أقوى قرينة على أن المراد بذكر الله كثيرا ان يذكر المؤمن ما علمه تعالى من المعارف المرتبطة بهذا الشأن وهو انه تعالى إلهه وربه الذي بيده الموت والحياة وهو على نصره لقدير، وأنه هو مولاه نعم المولى ونعم النصير، وقد وعده النصر إذ قال: إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وأن مال امره في قتاله إلى إحدى الحسنيين إما الظفر على عدوه ورفع راية الاسلام وإخلاص الجو لسعادته الدينية، وإما القتل في سبيل الله والانتقال بالشهادة إلى رحمته، والدخول في حظيرة كرامته، ومجاورة المقربين من أوليائه، وما في هذا الصف من المعارف الحقيقية التي تدعو إلى السعادة الواقعية والكرامة السرمدية.
وقد قيد الذكر بالكثير لتتجدد به روح التقوى كلما لاح للانسان ما يصرف نفسه إلى حب الحياة الفانية والتمتع بزخارف الدنيا الغارة والخطورات النفسانية التي يلقيها الشيطان بتسويله.
وقوله (وأطيعوا الله ورسوله) ظاهر السياق ان المراد بها إطاعة ما صدر من ناحيته تعالى وناحية رسوله من التكاليف والدساتير المتعلقة بالجهاد والدفاع عن حومة الدين وبيضة الاسلام مما تشتمل عليه آيات الجهاد والسنة النبوية كالابتداء بإتمام الحجة وعدم التعرض للنساء والذراري والكف عن تبييت العدو وغير ذلك من احكام الجهاد.
وقوله: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) أي ولا تختلفوا بالنزاع فيما بينكم حتى يورث ذلكم ضعف إرادتكم وذهاب عزتكم ودولتكم أو غلبتكم فان اختلاف الآراء يخل بالوحدة ويوهن القوة.
وقوله: (واصبروا ان الله مع الصابرين) أي الزموا الصبر على ما يصيبكم