من مكاره القتال مما يهددكم به العدو، وعلى الاكثار من ذكر الله، وعلى طاعة الله ورسوله من غير أن يهزهزكم الحوادث أو يزجركم ثقل الطاعة أو تغويكم لذة المعصية أو يضلكم عجب النفس وخيلاؤها.
وقد أكد الامر بالصبر بقوله: (إن الله مع الصابرين) لان الصبر أقوى عون على الشدائد وأشد ركن تجاه التلون في العزم وسرعة التحول في الإرادة، وهو الذي يخلى بين الانسان وبين التفكير الصحيح المطمئن حيث يهجم عليه الخواطر المشوشة والأفكار الموهنة لإرادته عند الأهوال والمصائب من كل جانب فالله سبحانه مع الصابرين.
وقوله: (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس) الآية نهى عن اتخاذ طريقة هؤلاء البطرين المرائين الصادين عن سبيل الله، وهم على ما يفيده سياق الكلام في الآيات، كفار قريش، وما ذكره من أوصافهم أعني البطر ورئاء الناس والصد عن سبيل الله هو الذي أوجب النهى عن التشبه بهم واتخاذ طريقتهم بدلالة السياق، وقوله: (والله بما يعملون محيط) ينبئ عن إحاطته تعالى بأعمالهم وسلطنته عليها وملكه لها، ومن المعلوم أن لازم ذلك كون أعمالهم داخلة في قضائه متمشية بإذنه ومشيته وما هذا شأنه لا يكون مما يعجز الله سبحانه فالجملة كالكناية عما يصرح به بعد عدة آيات بقوله: (ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون) الأنفال: 59.
وظاهر أن أخذ هذه القيود أعني قوله: (بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله) يوجب تعلق النهى بها والتقدير: ولا تخرجوا من دياركم إلى قتل أعداء الدين بطرين ومرائين بالتجملات الدنيوية، وصد الناس عن سبيل الله بدعوتهم بأقوالكم وأفعالكم إلى ترك تقوى الله والتوغل في معاصيه والانخلاع عن طاعة أوامره ودساتيره فإن ذلك يحبط أعمالكم ويطفئ نور الايمان ويبطل أثره عن جمعكم فلا طريق إلى نجاح السعي والفوز بالمقاصد الهامة إلا سوى الصراط الذي يمهده الدين القويم وتسهله الملة الفطرية والله لا يهدى القوم الفاسقين إلى مقاصدهم الفاسدة.
وقد اشتملت الآيات الثلاث على أمور ستة أوجب الله سبحانه على المؤمنين رعايتها في الحروب الاسلامية عند اللقاء وهى الثبات، وذكر الله كثيرا، وطاعة الله ورسوله، وعدم التنازع، وأن لا يخرجوا بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله.
ومجموع الأمور الستة دستور حربي جامع لا يفقد من مهام الدستورات الحربية