ليقضى الله أمرا كان مفعولا) كل ذلك يشهد على أن المراد بقوله: (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد) بيان ان التلاقي على هذا الوجه لم يكن إلا بمشية خاصة من الله سبحانه حيث نزل المشركون وهم ذووا عدة وشدة بالعدوة القصوى وفيها الماء والأرض الصلبة، والمؤمنون على قله عددهم وهوان أمرهم بالعدوة الدنيا ولا ماء فيها والأرض رملية لا تثبت تحت اقدامهم، وتخلص العير منهم إذ ضرب أبو سفيان في الساحل أسفل، وتلاقي الفريقان لا حاجز بينهما ولا مناص عندئذ عن الحرب، فالتلاقي والمواجهة على هذا الوجه ثم ظهور المؤمنين على المشركين، لم يكن عن أسباب عادية بل لمشية خاصة إلهية ظهرت بها قدرته وبانت بها عنايته الخاصة ونصره وتأييده للمؤمنين.
فقوله: (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد) بيان ان هذا التلاقي لم يكن عن سابق قصد وعزيمة، ولا روية أو مشورة، ولهذا المعنى عقبه بقوله: (ولكن ليقضى الله أمرا كان مفعولا) بما فيه من الاستدراك.
وقوله: (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) لتعليل ما قضى به من الامر المفعول أي إن الله إنما قضى هذا الذي جرى بينكم من التلاقي والمواجهة ثم تأييد المؤمنين وخذلان المشركين ليكون ذلك بينة ظاهرة على حقية الحق وبطلان الباطل فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
وبذلك يظهر ان المراد بالهلاكة والحياة هو الهدى والضلال لان ذلك هو الذي يرتبط به وجود الآية البينة ظاهرا.
وكذا قوله: (وأن الله لسميع عليم) عطف على قوله: (ليهلك من هلك عن بينة) الخ، أي وإن الله إنما قضى ما قضى وفعل ما فعل لأنه سميع يسمع دعاءكم عليم يعلم ما في صدوركم، وفيه إشارة إلى ما ذكره في صدر الآيات: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم) إلى آخر الآيات.
وعلى هذا السياق - أي لبيان أن مرجع الامر في هذه الواقعة هو القضاء الخاص الإلهي دون الأسباب العادية - سيق قوله تعالى بعد: (إذ يريكهم الله في منامك قليلا) الخ، وقوله: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) الخ، وقوله: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم) الخ.