فقد ظهر من جميع ما تقدم - على طوله - ان الآيتين أعني قوله: (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة) إلى آخر الآيتين لا تشاركان الآيات السابقة واللاحقة المسرودة في الكلام على كفار قريش في سياقها الواحد فهما لم تنزلا معها.
والأقرب ان يكون ما حكى فيهما من قولهم والجواب عنه بقوله: (وما كان الله ليعذبهم) غير مرتبط بهم وإنما صدر هذا القول من بعض أهل الكتاب أو بعض من آمن ثم ارتد من الناس.
ويتأيد بذلك بعض ما ورد ان القائل بهذا القول الحارث بن النعمان الفهري، وقد تقدم الحديث نقلا عن تفسيري الثعلبي والمجمع في ذيل قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) الآية المائدة: 67 في الجزء السادس من الكتاب.
وعلى هذا التقدير فالمراد بالعذاب المنفى العذاب السماوي المستعقب للاستئصال الشامل للأمة على نهج عذاب سائر الأمم، والله سبحانه ينفى فيها العذاب عن الأمة ما دام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم حيا، وبعده ما داموا يستغفرون الله تعالى.
ويظهر من قوله تعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) بضمه إلى الآيات التي توعد هذه الأمة بالعذاب الذي يقضى بين الرسول وبينهم كآيات سورة يونس: (ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) يونس: 47 إلى آخر الآيات أن في مستقبل أمر هذه الأمة يوما ينقطع عنهم الاستغفار ويرتفع من بينهم المؤمن الإلهي فيعذبون عند ذاك.
قوله تعالى: (وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه) إلى آخر الآية استفهام في معنى الانكار أو التعجب، وقوله: (وما لهم) بتقدير فعل يتعلق به الظرف ويكون قوله: (ان لا يعذبهم) مفعوله أو هو من التضمين نظير ما قيل في قوله: (هل لك إلى أن تزكى) النازعات: 18.
والتقدير على أي حال نحو من قولنا: (وما الذي يثبت ويحق لهم عدم تعذيب الله إياهم والحال انهم يصدون عن المسجد الحرام ويمنعون المؤمنين من دخوله وما كانوا أولياءه). فقوله: (وهم يصدون) الخ حال عن ضمير (يعذبهم) وقوله: