الحق من عند الله لا غيره، ثم يرد بالاشتراط في مثل قوله: اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.
فالأشبه ان لا يكون هذا حكاية عن بعض المشركين بنسبته إلى جميعهم لاتفاقهم في الرأي أو رضا جميعهم بما قاله هذا القائل بل كأنه حكاية عن بعض أهل الردة ممن أسلم ثم ارتد أو عن بعض أهل الكتاب المعتقدين بدين سماوي حق فافهم ذلك.
ويؤيد هذا الآية التالية لهذه الآية: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) اما قوله: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) فان كان المراد به نفى تعذيب الله كفار قريش بمكة قبل الهجرة والنبي فيهم كان مدلوله ان المانع من نزول العذاب يومئذ هو وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهم، والمراد بالعذاب غير العذاب الذي جرى عليهم بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القتل والأسر كما سماه الله في الآيات السابقة عذابا، وقال في مثلها: (قل هل تربصون بنا إلا أحد الحسنيين ونحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا) التوبة: 52، بل عذاب الاستئصال بآية سماوية كما جرى في أمم الأنبياء الماضين لكن الله سبحانه هددهم بعذاب الاستئصال في آيات كثيرة كقوله تعالى: (فان اعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) حم السجدة: 13، وكيف يلائم أمثال هذه التهديدات قوله:
(وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) لو كان المراد بالمعذبين هم كفار قريش ومشركو العرب ما دام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة.
ولو كان المراد بالمعذبين جميع العرب أو الأمة، والمراد بقوله: (وأنت فيهم) حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمعنى: ولا يعذب الله هذه الأمة وأنت فيهم حيا كما ربما يؤيده قوله بعده: (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) كان ذلك نفيا للعذاب عن جميع الأمة ولم يناف نزوله على بعضهم كما سمى وقوع القتل بهم عذابا كما في الآيات السابقة، وكما ورد ان الله تعالى عذب جمعا منهم كأبى لهب والمستهزئين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى هذا لا تشمل الآية القائلين: (اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك) إلى آخر الآية، وخاصة باعتبار ما روى أن القائل به أبو جهل كما في صحيح البخاري أو النضر بن الحارث بن كلدة كما في بعض روايات أخر وقد حقت عليهما كلمة العذاب وقتلا يوم بدر فلا ترتبط الآية: (وما كان الله ليعذبهم) الآية، بهؤلاء القائلين: اللهم ان